گروه نرم افزاری آسمان

صفحه اصلی
کتابخانه
جلد اول
الموضوعات الهامّۀ فی عقائد أهل الحدیث







إطاعۀ السلطان بین الوجوب والحرمۀ
إطاعۀ السلطان بین الوجوب والحرمۀ
إطاعۀ الحاکم العادل من صمیم الدین، قال سبحانه: (أَطیعُوا اللّهَ وَأَطیعُوا الرَّسُولَ وَأُولی الَأمْرِ مِنْکُمْ) .( 1) ولیس المراد منه إطاعۀ مطلق
ولاة الأمر، بل المراد خصوص العدول منهم بقرینۀ النهی عن إطاعۀ المسرفین والغافلین عن ذکر اللّه سبحانه والمکذبین والآثمین
صفحۀ 79 من 154
وغیرهم. قال سبحانه: (ولا تُطِع مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِکْرِنا واتّبَعَ هَواهُ وکانَ أمْرُهُ فُرُطاً) .( 2) وقال سبحانه: (یا أیّها النّبیُّ اتّقِ اللّهَ ولا تُطِعِ
الکافرینَ والمُنافِقِین) .( 3) وقال سبحانه: (فَلا تُطِعِ المُکَذِّبین) .( 4) وقال تعالی: (ولا تُطِعْ کُلَّ حَلّاف مَهِین) .( 5)
. 1 . النساء: 59
. 2 . الکهف: 28
. 3 . الأحزاب: 1
. 4 . القلم: 8
( 185 ) . 5 . القلم: 10
وقال سبحانه:(فَاصبِرْ لِحُکْمِ رَبّکَ وَلا تُطِع مِنْهُمْ آثماً أَوْ کَفُوراً) .( 1) وقال تعالی: (وَلاتُطِیعُوا أَمْرَ المُسرِفین) .( 2) إلی غیر ذلک من
الآیات الناهیۀ عن طاعۀ الطغاة العصاة. فبقرینۀ هذه الآیات الناهیۀ یصحّ أن یقال: إنّ المراد من الأمر بإطاعۀ أُولی الأمر، هو إطاعۀ
العدول منهم. وقد تضافرت الروایات علی وجوب إطاعۀ السلطان العادل المعربۀ عن عدم وجوب إطاعۀ السلطان الجائر أوحرمتها. قال
3) وقال ).« السلطان العادل المتواضع، ظل اللّه ورمحه فی الأرض ویرفع له عمل سبعین صدّیقاً »: رسول اللّه صلَّی الله علیه وآله وسلَّم
4) وقال صلَّی ).« ما من أحد أفضل منزلۀ من إمام، إن قال صدق، وإن حکم عدل، وإن استرحم رحم » : صلَّی الله علیه وآله وسلَّم
أحبّ الناس إلی اللّه یوم القیامۀ وأدناهم مجلساً، إمام عادل ;وأبغض الناس إلی اللّه وأبعدهم منه، إمام » : الله علیه وآله وسلَّم
السلطان ظلّ اللّه فی الأرض، یأوي إلیه الضعیف وبه ینصر المظلوم، ومن أکرم سلطان » : 5) وقال صلَّی الله علیه وآله وسلَّم ).« جائر
ثلاثۀ من کنّ فیه من الأئمّۀ صلح أن یکون إماماً اضطلع » : 6) وقال صلَّی الله علیه وآله وسلَّم ).« اللّه فی الدنیا أکرمه اللّه یوم القیامۀ
7)... إلی غیر ذلک من الروایات )« بأمانته: إذا عدل فی حکمه، ولم یحتجب دون رعیته، وأقام کتاب اللّه تعالی فی القریب والبعید

. 1 . الإنسان: 24
. 2 . الشعراء: 151
. 6، الحدیث 14589 / 3 . کنز العمال: 6
.14572 ،14604 ، 4 . المصدر السابق:الحدیث 14593
.14572 ،14604 ، 5 . المصدر السابق:الحدیث 14593
.14572 ،14604 ، 6 . المصدر السابق:الحدیث 14593
( 186 ) . 7 . المصدر السابق: 5، الحدیث 14315
التی یقف علیها المتتبع فی الجوامع الحدیثیۀ. هذا من طریق أهل السنّۀ وأمّا من طریق الشیعۀ فحدّث عنه ولا حرج. روي عمر بن حنظلۀ
من روي حدیثنا، ونظر فی حلالنا وحرامنا، وعرف أحکامنا فلیرضوا به »: عن الصادق علیه السَّلام فی لزوم طاعۀ الحاکم العادل
حکماً، فإنّی جعلته علیکم حاکماً، فإذا حکم بحکمنا فلم یقبل منه، فإنّما استخف بحکم اللّه وعلینا ردّ، والرادّ علینا، الرادّ علی اللّه وهو
1) ونکتفی هنا بقول الإمام الحسین بن علی علیهما السَّلام فی کتابه إلی أهل الکوفۀ حیث قال علیه ).« علی حدّ الشرك باللّه
2) إذاً فوجوب ).« فلعمري ما الإمام إلاّ الحاکم بالکتاب، القائم بالقسط، الدائن بدین الحقّ، الحابس نفسه علی ذات اللّه » : السَّلام
إطاعۀ السلطان العادل ممّا لا شکّ فیه، ولا یحتاج إلی إسهاب الکلام فیه، ولکن الحنابلۀ ذهبوا إلی غیر ذلک، وإلیک البیان. إطاعۀ
السلطان الجائر
فلقد اتّفقت کلمۀ الحنابلۀ ومن لفّ لفّهم علی وجوب إطاعۀ السلطان الجائر وإلیک نصوصهم: قال أحمد بن حنبل فی إحدي رسائله:
السمع والطاعۀ للأئمّۀ وأمیر المؤمنین البر والفاجر، ومن ولی الخلافۀ فأجمع الناس ورضوا به، ومن غلبهم بالسیف وسمّی أمیر
صفحۀ 80 من 154
المؤمنین، والغزو ماض مع الأُمراء إلی یوم القیامۀ، البر والفاجر، وإقامۀ الحدود إلی الأئمّۀ ولیس لأحد أن یطعن علیهم وینازعهم،
ودفع الصدقات إلیهم جائز، من دفعها إلیهم أجزأت عنهم، براً کان أو
. 1 . الوسائل: الجزء 18 ، الباب 11 من أبواب صفات القاضی، الحدیث 1
( 187 ) . 4، أحداث سنۀ 60 / 15 ;تاریخالطبري: 262 / 2 . بحار الأنوار: 116
فاجراً، وصلاة الجمعۀ خلفه وخلف کلّ من ولی، جائزة إقامته، ومن أعادها فهو مبتدع تارك للآثار مخالف للسنّۀ. ومن خرج علی
إمام من أئمّۀ المسلمین وکان الناس قد اجتمعوا علیه وأقرّوا له بالخلافۀ بأي وجه من الوجوه، أکان بالرضا أو بالغلبۀ فقد شق الخارج
عصا المسلمین وخالف الآثار عن رسول اللّه، فإن مات الخارج علیه، مات میتۀ جاهلیۀ.( 1) هذا الرأي المنقول عن إمام الحنابلۀ لا
یمکن إنکار صحّۀ نسبته إلیه، ولأجل ذلک قال الأُستاذ أبو زهرة: ولأحمد رأي یتلاقی فیه مع سائر الفقهاء، وهو جواز إمامۀ من تغلّب
ورضیه الناس وأقام الحکم الصالح بینهم، بل إنّه یري أکثر من ذلک، إنّ من تغلّب وإن کان فاجراً تجب إطاعته حتّی لا تکون
الفتن.( 2) والعبارة التی نقلناها عن إمام الحنابلۀ تکاد تعرب عن وجوب إطاعۀ الجائر ولو أمر بمعصیۀ الخالق وهو أمر عجیب منه جدّاً
مع أنّ أکثر الأشاعرة الذین یحرّمون الخروج علیه، لا یوجبون طاعته فی هذا الحال کما یوافیک نصوصهم، ولغرابۀ رأي ابن حنبل
هذا، ذیّله أبو زهرة بقوله: ولکنّه ینظر فی هذه القضیۀ إلی مصلحۀ المسلمین وأنّه لا بدّ من نظام مستقرّ ثابت، وأنّ الخروج علی هذا
النظام یحل قوة الأُمّۀویفک عراها، ولأنّه رأي من أخبار الخوارج وفتنتهم ما جعله یقرر أنّ النظام الثابت أولی وأنّ الخروج علیه
یرتکب فیه من المظالم أضعاف ما یرتکبه الحاکم الظالم. ثمّ إنّه ینظر فی القضیۀ نظرة اتباع فإنّ التابعین الذین عاشوا فی العصر الأموي
إلی أکثر من ثلثی زمانه قد رأوا مظالم کثیرة، ومع ذلک نهوا عن الخروج ولم یسیروا مع الخارجین، وکانوا ینصحون الخلفاء والولاة
إن وجدوا آذاناً تسمع، وقلوباً تفقه، وفی کلّ حال لا یخرجون ولا یؤیدون خارجه.( 3)
.2/ 1 . تاریخ المذاهب الإسلامیۀ لأبی زهرة: 322
. 2 . المصدر السابق:ص 321 ;ولاحظ کتاب السنّۀ لابن حنبل : 46
( 188 ) .2/ 3 . تاریخ المذاهب الإسلامیۀ: 322
وهذا التوجیه من الأُستاذ غریب جدّاً. أمّا أوّلًا: فلأنّ الخروج علی النظام الظالم إذا کان موجباً لحلّ قوّة الأُمّۀ وفک عراها، یکون الصبر
تشویقاً لتمادیه فی الظلم وإکثار الضغط علی الأُمّۀ وبالنتیجۀ: تحویل الدین وتحریفه عمّا هو علیه من الحقّ... فأي فائدة تکمن فی
حفظ قوّة أُمۀ، انحرفت عن صراطها وتبدّلت سننها وتغیّرت أُصولها، فإنّ الظالم لا یري لظلمه حدّاً ولتعدّیه ضوابط، فلو رأي أنّ
الإسلام بواقعه یضاد آراءه الشخصیۀ ومیوله الخبیثۀ، عمد إلی تغییره وتحویره فلیس یقتصر ظلم الظالم علی التعدّي علی النفوس
والأموال، بل الراکب علی أعناق الناس یغیر کلّ شیء کیفما یرید، وحیثما یري أنّه لصالح شخصه، والتاریخ شاهدنا الأصدق علی
ذلک. وأمّا ثانیاً: فإنّ الأُستاذ أبا زهرة نسب إلی التابعین الذین عاشوا فی العصر الأموي إلی أکثر من ثلثی زمانه بأنّهم رأوا مظالم کثیرة
ومع ذلک نهوا عن الخروج ولم یسیروا مع الخارجین... ولکنّه غفل عن قضیۀ الحرة الدامیۀ حیث کان الخارجون فیها علی الحکومۀ
ینقل إلینا لمحۀ عمّا جري هناك ویقول: ولمّا انتهی الجیش « مروج الذهب » الغاشمۀ هم الصحابۀ والتابعین.... وهذا المسعودي صاحب
خرج إلی حربه أهلها، علیهم عبد اللّه بن مطیع العدوي وعبد اللّه بن حنظلۀ « مسرف » من المدینۀ إلی الموضع المعروف بالحرة وعلیهم
( الغسیل الأنصاري، وکانت وقعۀ عظیمۀ قتل فیها خلق کثیر من بنی هاشم وسائر قریش والأنصار وغیرهم من سائر ( 189
الناس، فقد قتل من آل أبی طالب اثنان: عبد اللّه بن جعفر بن أبی طالب، وجعفر بن محمد بن علی بن أبی طالب ;ومن بنی هاشم من
غیر آل أبی طالب: الفضل بن العباس بن ربیعۀ بن الحارث ابن عبد المطلب، وحمزة بن عبد اللّه بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب
والعباس ابن عتبۀ ابن أبی لهب بن عبد المطلب، وبضع وتسعون رجلًا من سائر قریش ومثلهم من الأنصار وأربعۀ آلاف من سائر الناس
ممّن أدرکه الإحصاء دون من لم یعرف.( 1) هل نسی أبو زهرة(أو لعلّه تناسی) قضیۀ دیر الجماجم حیث قام ابن الأشعث التابعی فی
صفحۀ 81 من 154
وجه الحجّ اج السفّاك بالموضع المعروف بدیر الجماجم فکان بینهم نیف وثمانون وقعۀ تفانی فیها خلق وذلک فی سنّۀ اثنتین
وثمانین.( 2) وعلی کلّ تقدیر فقد اقتفی أثر أحمد بن حنبل جماعۀ من متکلّمی الأشاعرة وغیرهم وادّعوا بأنّ هذه عقیدة إسلامیۀ کان
الصحابۀ والتابعون یدینون بها وأنّه یجب الصبر علی الطغاة الظلمۀ إذا تصدروا منصۀ الحکم، نعم غایۀ ما یقولونه هو: إنّه لا تجب
إطاعتهم إذا أمروا بالحرام والفساد جاعلین قولهم هذا منعطفهم الوحید عن قول ابن حنبل وبقیۀ أهل الحدیث، وإلیک نبذة من أقوال
العقیدة » المشهور ب « بیان السنّۀوالجماعۀ » القوم: 1. قال الإمام الشیخ أبو جعفر الطحاوي الحنفی(المتوفّی 321 ه) فی رسالته المسمّاة ب
ونري الصلاة خلف کلّ برّ وفاجر من أهل القبلۀ ولا نري السیف علی أحد من أُمّۀ محمّد إلاّ علی من وجب علیه :« الطحاویۀ
السیف(أي سفک الدم بالنصّ القاطع کالقاتل والزانی المحصن والمرتد) ولا نري الخروج علی أئمّتنا ولا ولاة أمرنا وإن جاروا، ولا
2. قال الإمام ( ندعو علی أحد منهم ولاننزع یداً من طاعتهم، ونري طاعتهم من طاعات اللّه عزّوجلّ فریضۀ علینا مالم یأمروا بمعصیۀ.( 3
الأشعري من جملۀ ما علیه أهل الحدیث و السنّۀ: ویرون العید والجمعۀ والجماعۀ خلف کلّ إمام برّ وفاجر... إلی أن قال: ویرون الدعاء
لأئمّۀ المسلمین بالصلاح، وأن لا یخرجوا علیهم بالسیف، وأن لا یقاتلوا فی الفتن.( 4)
. 3 70 / 1 . مروج الذهب: 69
.3/ 2 . نفس المصدر السابق: 132
. 3 . شرح العقیدة الطحاویۀ : 110 و 111
( 190 ) . 4 . مقالات الإسلامیین: 323
3. وقال الإمام أبو الیسر محمد بن عبد الکریم البزدوي: الإمام إذاجار أو فسق لا ینعزل عند أصحاب أبی حنیفۀ بأجمعهم وهو المذهب
المرضی... ثمّ قال: وجه قول عامۀ أهل السنّۀ والجماعۀ إجماع الأُمّۀ، فإنّهم رأوا الفسّاق أئمّۀ، فإنّ أکثر الصحابۀ کانوا یرون بنی أُمیۀ
وهم بنو مروان أئمّۀ حتی کانوا یصلون الجمعۀ والجماعۀ خلفهم ویرون قضایاهم نافذة، وکذا الصحابۀ والتابعون، وکذا من بعدهم
یرون خلافۀ بنی عباس وأکثرهم فسّ اق، ولأنّ القول بانعزال الأئمّۀ بالفسق، إیقاع الفساد فی العالم، وإثبات المنازعات وقتل الأنفس،
فإنّه إذا انعزل یجب علی الناس تقلید غیره، وفیه فساد کثیر ثمّ قال: إذا فسق الإمام یجب الدعاء له بالتوبۀ ولا یجوز الخروج علیه، وهذا
4. وقال الإمام أبو بکر محمد بن الطیب الباقلانی (المتوفّی عام ( مروي عن أبی حنیفۀ، لأنّ الخروج إثارة الفتن والفساد فی العالم.( 1
403 ه) فی التمهید: إن قال قائل: ما الذي یوجب خلع الإمام عندکم؟ قیل له: یوجب ذلک أُمور: منها: کفر بعد إیمان، ومنها: ترکه
الصلاة والدعاء إلی ذلک، ومنها: عند کثیر من الناس فسقه وظلمه بغصب الأموال وضرب الأبشار وتناول النفوس المحرمۀوتضییع
الحقوق وتعطیل الحدود،وقال الجمهور من أهل الإثبات وأصحاب الحدیث: لا ینخلع بهذه الأُمور ولا یجب الخروج علیه، بل یجب
وعظه وتخویفه وترك طاعته فی شیء ممّا یدعو إلیه من معاصی اللّه، إذ احتجوا فی ذلک بأخبار کثیرة متضافرة عن النبی صلَّی الله
علیه وآله وسلَّم وعن الصحابۀ فی وجوب طاعۀ الأئمّۀ وإن جاروا واستأثروا بالأموال وأنّه قال علیه السَّلام : واسمعوا وأطیعوا ولو
لعبد أجدع، ولو لعبد حبشی، وصلوا وراء کلّ بر وفاجر. وروي أنّه قال: وإن أکلوا مالک وضربوا ظهرك وأطیعوهم ما أقاموا
5. وقال الشیخ نجم الدین أبوحفص عمر بن محمد النسفی(المتوفّی عام 537 ه) فی العقائد النسفیۀ:ولا ینعزل الإمام ( الصلاة.( 2
بالفسق والجور... ویجوز
. 1 . أُصول الدین: 190 192
( 191 ) . 2 . التمهید : 186
الصلاة خلف کلّ برّ وفاجر. وعلّله الشارح التفتازانی بقوله: لأنّه قد ظهر الفسق واشتهر الجور من الأئمّۀ والأُمراء بعد الخلفاء الراشدین،
والسلف کانوا ینقادون لهم، ویقیمون الجمع والأعیاد بإذنهم، ولا یرون الخروج علیهم.( 1) ما استدلّوا به من روایات لإطاعۀ الجائر
وقد أیّدت تلک العقائد بروایات ربما یتصور القارئ انّ لها نصیباً من الحقّ أو حظاً من الصدق لکن الحقّ أنّ أکثرها مفتعلۀ علی لسان
صفحۀ 82 من 154
رسول اللّه صلَّی الله علیه وآله وسلَّم قد أفرغها فی قالب الحدیث جمع من وعاظ السلاطین ومرتزقتهم تحفّظاً علی عروشهم وحفظاً
لمناصبهم، وإلیک بعض تلک الروایات التی رواها مسلم فی صحیحه: 1. روي مسلم، عن حذیفۀ بن الیمان، قلت: یا رسول اللّه... إلی
أن قال: قال رسول اللّه صلَّی الله علیه وآله وسلَّم : یکون بعدي أئمّۀ لا یهتدون بهداي ولا یستنون بسنّتی، وسیقوم رجال قلوبهم
قلوب الشیاطین فی جثمان إنس، قال: قلت: کیف أصنع یا رسول اللّه إن أدرکت ذلک؟ قال: تسمع وتطیع للأمیر وإن ضرب ظهرك
وأخذ مالک فاسمع وأطع. 2. وروي عن أبی هریرة، عن النبی صلَّی الله علیه وآله وسلَّم أنّه قال: من خرج من الطاعۀ وفارق
الجماعۀ مات میتۀ الجاهلیۀ... إلی أن قال: ومن خرج علی أُمّتی یضرب برها وفاجرها،ولا یتحاشی من مؤمنها ولا یفی لذي عهد عهده
فلیس منّی ولست منه. 3. روي عن ابن عباس أنّه قال: قال رسول اللّه صلَّی الله علیه وآله وسلَّم : من رأي من أمیره شیئاً یکرهه
فلیصبر، فإنّه من فارق الجماعۀ شبراً فمات، فمیتته جاهلیۀ. 4. روي عنه أیضاً، عن رسول اللّه صلَّی الله علیه وآله وسلَّم قال: من

( 192 ) . 1 . شرح العقائد النسفیۀ : 185 و 186
رأي من أمیره شیئاً فلیصبر، فإنّه لیس أحد من الناس خرج من السلطان شبراً فمات علیه إلاّمات میتۀ جاهلیۀ. 5. روي عن عبد اللّه بن
عمر، أنّه جاء إلی عبد اللّه بن مطیع حین کان من أمر الحرة ما کان زمن یزید بن معاویۀ فقال: أخرجوا لأبی عبد الرحمن وسادة فقال:
إنّی لم آتک لأجلس، أتیتک لأحدّثک حدیثاً سمعت رسول اللّه صلَّی الله علیه وآله وسلَّم یقوله: من خلع یداً من طاعۀ لقی اللّه
یوم القیامۀ لا حجۀ له، ومن مات ولیس فی عنقه بیعۀ مات میتۀ جاهلیۀ. وقد فسر ابن عمر قول رسول اللّه صلَّی الله علیه وآله وسلَّم
ستکون أُمراء » : بلزوم بیعۀ یزید وإطاعته حتی فی مسألۀ الحرة. 6. روي عن أُمّ سلمۀ، أنّ رسول اللّه صلَّی الله علیه وآله وسلَّم قال
7. روي .« لا ما صلّوا » : قالوا یا رسول اللّه: ألا نقاتلهم؟ قال .« فتعرفون وتنکرون، فمن عرف بريء و من أنکر سلم ولکن من رضی وتابع
عن عوف بن مالک فی حدیث: قیل یا رسول اللّه أفلا ننابذهم بالسیف؟ فقال: لا ما أقاموا فیکم الصلاة، وإذا رأیتم من ولاتکم شیئاً
.8 (2).« جامع الأُصول » تکرهونه فاکرهوا عمله ولا تنزعوا یداً من طاعته.( 1) وقد أورد ابن الأثیر الجزري قسماً من هذه الأحادیث فی
روي البیهقی فی سننه عن أبی هریرة قال: قال رسول اللّه صلَّی الله علیه وآله وسلَّم : سیکون بعدي خلفاء یعملون بما
یعلمون،ویفعلون بما یؤمرون وسیکون بعدهم خلفاء یعملون بما لا یعلمون ویفعلون مالا یؤمرون، فمن أنکر علیهم برئ ومن أمسک
یده سلم ولکن من رضی وتابع.( 3)
6 24 ، باب الأمر بلزوم الجماعۀ، وباب حکم من فارق أمر المسلمین. / 1 . صحیح مسلم: 20
2 . لاحظ جامع الأُصول: 4، الکتاب الرابع فی الخلافۀ والأمارة، الفصل الخامس ص 451 الخ.
( 193 ) .8/ 3 . السنن الکبري: 158
9.وروي ابن عبد ربه، عن عبد اللّه بن عمر: إذا کان الإمام عادلًا فله الأجر وعلیک الشکر، وإذا کان الإمام جائراً فعلیه الوزر وعلیک
10 . وهذه الأحادیث تهدف إلی قول أحمد بن حنبل فقد عرفت ما فی إحدي رسائله وهذا نصّه: السمع والطاعۀ للأئمّۀ ( الصبر.( 1
وأمیر المؤمنین البر والفاجر ومن ولی الخلافۀ فاجتمع علیه الناس ورضوا به ومن غلبهم بالسیف وسمّی أمیر المؤمنین، والغزو ماض مع
( الأُمراء إلی یوم القیامۀ.( 2
عرض أحادیث إطاعۀ الجائر علی القرآن وقبل کلّ شیء یجب علینا أن نعرض تلک الروایات علی کتاب اللّه سبحانه فإنّه المحک
الأوّل لتشخیص الحدیث الصحیح من السقیم. قال سبحانه حاکیاً عن العصاة والکفّار:(یَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِی النّارِ یَقُولُونَ یا لَیْتَنا أَطَعْنا
اللّهَ وَأَطَعنا الرَّسُولا* و قالُوا رَبَّنا إِنّا أَطَعْنا سَادَتَنا وَکُبَرَاءَنا فَأَضَ لُّونا السَّبِیلا* رَبَّنا آتِهِمْ ضِ عْفَینِ مِنَ العَذابِ وَالعَنْهُمْ لَعْناً کَبیراً).( 3) فهذا
القسم من الآیات یندّد بقول من یري وجوب طاعۀ السلطان الظالم التی توجب ضلالۀ المطیع له عن السبیل السوي، وثمۀ آیات تندّد
بعمل من یصبر علی عمل الطاغیۀ من دون أن یأمره بالمعروف أو ینهاه عن المنکر، وتري نفس السکوت والصبر علی طغیان الطاغیۀ
صفحۀ 83 من 154
جرماً وإثماً موجباً للهلاك، وهذه الآیات هی الواردة حول قوم بنی إسرائیل الذین کانوا یعیشون قرب ساحل من سواحل البحر
فتقسّمهم إلی أصناف ثلاثۀ: الأوّل: الجماعۀ المعتدیۀ العادیۀ التی رفضت حکم اللّه سبحانه حیث حرم علیهم صید البحر یوم السبت
قال سبحانه: (إِذْ یعدون فی السّبت إِذ
.1/ 1 . العقد الفرید: 8
.2/ 2 . تاریخ المذاهب الإسلامیۀ: 322
( 194 ) تَأْتیهِمْ حیتانُهُمْ یَوْم سَبْتِهِمْ شُرّعاً وَیَومَ لا یَسْبِتُون لا تَأْتیهِمْ...).( 1 ) . 3 . الأحزاب: 66 68
الثانی: الجماعۀ الساکتۀ التی أهمّتهم أنفسهم لا یرتکبون ماحرم اللّه وفی الوقت نفسه لا ینهون الجماعۀ العادیۀ عن عدوانها، بل کانوا
یعترضون علی الجماعۀ الثالثۀ التی کانت تقوم بواجبها الدینی من إرشاد الجاهل والقیام فی وجه العاصی والطاغی، بقولهم: (لِمَ
تَعِظُونَ قَوماً اللّهُ مُهْلِکُهُمْ أو مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِیداً) .( 2) الثالث: الجماعۀ الآمرة بالمعروف والناهیۀ عن المنکر معتبرین ذلک وظیفۀ
دینیۀ عریقۀونصیحۀ لازمۀ للإخوان وقد حکی اللّه سبحانه عن لسانهم فی محکم کتابه العزیز حیث قال: (مَعْذِرةً إِلی ربِّکُمْ ولَعَلَّهُمْ
یَتَّقُون) .( 3) نري أنّ اللّه سبحانه أباد الطائفتین الأوّلیین وأنجی الثالثۀ. قال سبحانه: (فَلَمّا نَسُوا ما ذُکِّرُوا بِهِ أَنْجَیْنا الَّذِینَ یَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ
وَأَخذْنا الّذِینَ ظَلَمُوا بِعَذاب بَئیس بِما کانُوا یَفْسُقُون) .( 4) فالآیۀ الأخیرة صریحۀ فی حصر النجاة فی الناهین عن السوء فقط وهلاك
العادین والساکتین عن عدوانهم، فلو کان السکوت والصبر علی عدوان العادین أمراً جائزاً لماذا عمّ العذاب کلتا الطائفتین؟ أو ما کان
فی وسع هؤلاء أن یعتذروا للقائمین بالأمر بالمعروف، بأنّ فی القیام والخروج وحتی فی النصیحۀ بالقول، تضعیفاً لقوة الأُمّۀ وفکّاً
لعراها؟ فلو دلّت الآیۀ الأُولی علی حرمۀ طاعۀ الظالم فی الحرام، ودلّت الآیۀ الثانیۀ علی حرمۀ السکوت فی مقابل طغیان العادین،
( فهناك آیۀ ثالثۀ تدلّ علی حرمۀ الرکون إلی الظالم یقول سبحانه: (وَلا تَرکَنُوا إِلی الَّذینَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّکُ مُ النّار).( 5

. 1 . الأعراف: 163
. 2 . الأعراف: 164
. 3 . الأعراف: 164
. 4 . الأعراف: 165
( 195 ) . 5 . هود: 113
أو لیس تأیید الحاکم الجائر والدعاء له فی الجمعۀ والجماعات وإقامۀ الصلاة بأمره، وإدارة کلّ شأن خوّل منه إلیه، یعد رکوناً إلی
الظالم؟! فما هو جواب هؤلاء المرتزقۀ فی ما یسمّی بالدول الإسلامیۀ الذین یعترفون بجور حکامهم وانحرافهم عن الصراط السوي،
ومع ذلک یدعون لهم عقب خطب الجمعات بطول العمر ودوام السلامۀ ویدیرون الشؤون الدینیۀ حسب الخطط التی یرسمها
ویصوّرها لهم أُولئک الحکام، الذین یعدهم هؤلاء المرتزقۀ محاور ومراکز،ویعدّون أنفسهم أقماراً تدور فی أفلاکها، اللّهمّ إلاّ أن
یعتذر هؤلاء بعدم التمکّن ممّا یجب علیهم من الأمر بالمعروف، والنهی عن المنکر علی مراتبها المختلفۀ، ولکنّه عذر لا یقبل فی کثیر
من الأحیان، وعلی ذلک الأساس فما قیمۀ تلک الروایات المعارضۀ لنصوص الکتاب وصریح الذکر الحکیم؟! أحادیث معارضۀ
لأحادیث طاعۀ الجائر
إنّ هناك روایات تنفی صحّۀ الروایات السابقۀ وتجعلها فی مدحرة البطلان وقد نقلها أصحاب الصحاح والسنن أیضاً وعند المعارضۀ
یؤخذ من السنّۀ الشریفۀ ما یوافق کتاب اللّه الحکیم. وإلیک نزراً من تلک الروایات: قال رسول اللّه صلَّی الله علیه وآله وسلَّم :
اسمعوا: سیکون بعدي أمراء، فمن دخل علیهم فصدّقهم بکذبهم، وأعانهم علی ظلمهم، فلیس منّی ولست منه، ولیس بوارد علی »
1) هذا بعض ما لدي السنّۀ من الروایات، و أمّا ما لدي الشیعۀ فنأتی ببعضها: 1. عن رسول اللّه صلَّی الله علیه وآله وسلَّم ).« الحوض
صفحۀ 84 من 154
ألا ومن علق سوطاً بین یدي سلطان، جعل اللّه ذلک السوط یوم القیامۀ ثعباناً من النار طوله سبعون ذراعاً یسلّطه اللّه علیه فی » : أنّه قال
.« نار جهنم وبئس المصیر
( 4 نقلًا عن الترمذي والنسائی. ( 196 / 1 . جامع الأُصول: 75
إذا کان یوم القیامۀ نادي مناد: أین أعوان الظلمۀ، ومن لاق لهم دواة أو ربط لهم کیساً، » : 2. وعنه صلَّی الله علیه وآله وسلَّم أنّه قال
من خفّ لسلطان جائر فی حاجۀ کان قرینه فی » : 3. وعنه صلَّی الله علیه وآله وسلَّم أنّه قال .« أو مد لهم مدة قلم، فاحشروهم معهم
5. وعن الإمام جعفر بن محمد الصادق .« ما اقترب عبد من سلطان جائر إلاّتباعد من اللّه » : 4. وقال صلَّی الله علیه وآله وسلَّم .« النار
من سوّد اسمه فی دیوان » : 6. و عنه علیه السَّلام أنّه قال .« من أحبّ بقاء الظالمین، فقد أحبّ أن یعصی اللّه » : علیهما السَّلام أنّه قال
من مشی إلی ظالم لیعینه وهو یعلم أنّه ظالم، فقد خرج عن » : 7. وعنه علیه السَّلام أنّه قال .« الجبّارین حشرهاللّه یومالقیامۀ حیراناً
ما أحبّ أنّی عقدت لهم عقدة، أو وکیت لهم وکاء وأنّ » : 8. وعن الإمام الصادق جعفر بن محمد علیهما السَّلام أنّه قال .« الإسلام
1) وغیرها من عشرات ).« لی ما بین لابتیها، لا، ولا مدة بقلم، إنّ أعوان الظلمۀ یوم القیامۀ فی سرادق من نار حتی یفرغ اللّه من الحساب
الأحادیث والروایات الواردة من النبی صلَّی الله علیه وآله وسلَّم وأهل بیته المعصومین علیهم السَّلام الناهیۀ عن السکوت علی
الحاکم الجائر، والحاثّۀ علی زجره ودفعه، والإنکار علیه بکلّ الوسائل الممکنۀ، فهذه الأحادیث تدلّ علی أنّ ما مرّ من الروایات الحاثۀ
علی السکوت عن الحاکم الظالم، والانصیاع لحکمه والتسلیم لظلمه، والرضا بجوره، جمیعها
15 و الباب 44 ،14 ،12 ،11 ،10 ، 1 . راجع لمعرفۀ هذه الأحادیث وسائل الشیعۀ: 12 ، الباب 42 من أبواب ما یکتسب به، الأحادیث 6
( 197 ) . الحدیث 5و 6
ممّا لفّقه رواة السوء والجور بإیعاز من السلطات الحاکمۀ فی تلک العصور المظلمۀ، فنسبوه إلی النبی صلَّی الله علیه وآله وسلَّم وهو
روحی فداه منها براء لمعارضتها الصریحۀ لمبادئ الکتاب والسنّۀ الصحیحۀ. ولو لم یکن فی المقام إلاّ قول علی علیه السَّلام فی
1) لکفی فی وهن تلک الروایات المفتعلۀ علی ) « ... وما أخذ اللّه علی العلماء أن لا یقارّوا علی کظۀ ظالم ولا سغب مظلوم ...» : خطبته
لسان النبی صلَّی الله علیه وآله وسلَّم . ***
وفی ختام الکلام نلفت نظر القارئ الکریم إلی ما قاله الإمام أبو الشهداء الحسین بن علی علیهما السَّلام لأهل الکوفۀ حیث خطب
أیّها الناس إنّ رسول اللّه صلَّی الله علیه » : أصحابه وأصحاب الحرّ(قائد جیش عبید اللّه بن زیاد آنذاك) فحمد اللّه وأثنی علیه ثمّ قال
وآله وسلَّم قال: من رأي سلطاناً جائراً، مستحلًا لحرم اللّه، ناکثاً لعهد اللّه، مخالفاً لسنّۀ رسول اللّه، یعمل فی عباد اللّه بالإثم والعدوان،
فلم یغیر علیه بفعل ولا قول، کان حقّاً علی اللّه أن یدخله مدخله، ألا وإنّ هؤلاء قد لزموا طاعۀ الشیطان، وترکوا طاعۀ الرحمن،
2) وهذه النصوص الرائعۀ ).« وأظهروا الفساد، وعطّلوا الحدود، واستأثروا بالفیء، وأحلّوا حرام اللّه وحرّموا حلاله، وأنا أحقّ من غیّر
المؤیّدة بالکتاب والسنّۀ وسیرة السلف الصالح من الصحابۀ والتابعین الذین قاموا فی وجه الطغاة من بنی أُمّیۀ وبنی العباس، تشهد بأنّ
ما نسب إلی الصحابۀ والتابعین من الاستسلام والسکوت علی ظلم الظالمین لکون ذلک من عقیدتهم الإسلامیۀ ما هو إلاّ بعض
مفتعلات أصحاب العروش وقد وضعها وعّاظهم ومرتزقتهم، وإلاّفالطیّبون من الصحابۀ والتابعین بریئون من هذه النسبۀ.

. 1 . نهج البلاغۀ: الخطبۀ 3
198 ) صراع بین العقیدة والوجدان ) . 4، حوادث سنۀ 61 / 2 . تاریخ الطبري: 304
نري أنّ بعض الشباب المسلم فی البلاد الإسلامیۀ، قد انخرطوا فی الأحزاب السیاسیۀ، ورفضوا الدین من أساسه، ولعلّ بعض السبب هو
أنّهم وجدوا فی أنفسهم صراعاً بین العقیدة والوجدان. فمن جانب، توحی إلیهم فطرتهم وعقیدتهم الإنسانیۀ السلیمۀ، أنّه تجب مکافحۀ
الظالمین، والخروج علیهم، ونصرة المظلومین وانتزاع حقوقهم من أیدي الظالمین ;ومن جانب آخر یسمعون من علماء الدین أو
صفحۀ 85 من 154
المتزیین بلباسهم، أنّه لا یجوز الخروج علی السلطان، بل تجب طاعته وإن أمر بالظلم والعدوان. فحینئذ یقع الشاب فی حیرة من أمره
بین اتّباع الفطرة والعقل السلیم، واتّباع کلام هؤلاء العلماء الذین ینطقون باسم الدین خصوصاً إذا کان المتکلّم رجلًا یکیل له المجتمع
الاحترام والإکبار، ویعرفه التاریخ بالخطیب الزاهد، کالحسن البصري فإنّه عندما سئل عن مقاتلۀ الحجاج ذلک السیف المشهر علی
الأُمّۀ والإسلام فأجاب: أري أن لا تقاتلوه، فإنّه إن یکن عقوبۀ من اللّه، فما أنتم برادّیها، وإن یکن بلاءً فاصبروا حتی یحکم اللّه وهو
خیر الحاکمین.فخرج السائلون من عنده وهم یقولون مستنکرین ما سمعوا منه: أنطیع هذا العلج. ثمّ خرجوا مع ابن الأشعث إلی قتال
الحجاج.( 1) فإذا سمع الشاب الثوري هذه الکلمۀ من عمید الدین وخطیبه کما یقال عاد یصف جمیع رجال الدین بما وصف به
الحسن البصري، وبالتالی یخرج من الدین ویترکه، ویصف الدین سناداً للظالم وملجأ له. وفی الختام نوجه نظر الأعلام من السنّۀ إلی
خطورة الموقف فی هذه الأیّام، وأنّ أعداءالإسلام لبالمرصاد یصطادون الشباب بسهام الدعایۀ الکاذبۀ، ویعرّفون الإسلام بأنّه سند
الظالمین ورکن الجائرین بحجۀ أنّه ینهی عن الخروج علی السلطان الجائر.
( 199 ) .7/ 1 . الطبقات الکبري لابن سعد: 164
والمسلم غیر العارف بالدین وما أُلصق به، لا یمیّز بین الحقیقۀ الناصعۀ وبین ما أُلبس علیها من ثوب رديء قاتم. ولیس هذا أوّل ولا
آخر مورد یجد الشاب الثوري صراعاً فی نفسه بین العقلیۀ الإنسانیۀ والدعایۀ الکاذبۀ عن الإسلام، فیختار وحی الفطرة ویصبح ثائراً
علی القوي الطاغیۀ، ویظن أنّه ترك الإسلام بظن أنّ المتروك هو الدین الحقیقی الذي أنزله اللّه تعالی علی النبی محمّد صلَّی الله
علیه وآله وسلَّم ، و هذه الجریمۀ متوجهۀ بالدرجۀ الأُولی إلی هذا النمط من العلماء. فواجب علماء الدین أن یرجعوا إلی المصادر
الإسلامیۀ الصحیحۀ فی تشخیص ما هو من صمیم الدین عمّا أُلصق به، ولا یقتنعوا بما کتب باسم الدین عن السلف الصالح، ولیس کلّ
ما نسب إلی السلف الصالح، أو قالوا به من صمیم الدین، کما أنّه لیس کلّ سلف صالحاً، بل هم بین صالح وطالح، وسعید وشقی،
فلیدرسوا ،« کم ترك الأوّل للآخر » : وعالم وجاهل، ولیس کلّ سلف أفضل وأتقی وأعلم من کلّ خلف، فلیذکروا المثل السائر
الأُصول المسلّمۀ من رأس، نعم لا أنکر أنّ هناك أُناساً واقفین علی الحقیقۀ ولکنّهم یکتمونها، لأنّ مصالحهم الشخصیۀ لا تقتضی
إظهارها، وقد نزل فیهم قوله سبحانه: (إِنَّ الّذِینَ یَکْتُمُونَ ما أنْزَلْنا مِنَ البَیِّناتِ وَ الهُدَي مِنْ بَعْدِ ما بَیَّنّاهُ لِلنّاسِ فِی الکِتابِ أُولئکَ یَلْعَنُهُمُ
اللّهُ ویَلْعَنُهُمُ اللّاعِنُون) ( 1)، کما أنّ بینهم شخصیات لامعۀ جاهروا بالحقیقۀ وأصحروا بها واشتروا رضا الرب بأثمان غالیۀ وتضحیات
ثمینۀ. فهذا إمام الحرمین یقول: إن الإمام إذاجار وظهر ظلمه وغشمه ولم یرعو لزاجر عن سوء صنیعه، فلأهل الحل والعقد، التواطؤ
علی ردعه، ولو بشهر السلاح ونصب الحروب.( 2) فی الختام نعطف نظر القارئ الکریم إلی قوله سبحانه عندما یأمر

. 1 . البقرة: 159
( 200 ) .2/ 2 . شرح المقاصد: 272
المؤمنات بالبیعۀ مع النبی ویقول:(ولا یَعْصینَک فِی مَعْرُوف) ( 1) فیقید إطاعۀ النبی وحرمۀ مخالفته بما إذا أمر بالمعروف، ومن
المعلوم أنّ النبی الأکرم معصوم لا یأمر بالمنکر أبداً وإنّما هو لتعلیم غیره، فهل یجوز لمسلم أن یقول بوجوب طاعۀ السلطان الجائر إذا
( أمر بالجور والمنکر؟! *** (وَقالُوا رَبَّنا إِنّا أَطَعْنا سادَتنا وَکُبَراءَنا فَأَضَلُّونا السَّبِیلا* رَبّنا آتِهِمْ ضِعْفَینِ مِنَ الْعَذابِ والعَنْهُمْ لَعْناً کَبیراً) .( 2

. 1 . الممتحنۀ: 12
( 201 ) . 2 . الأحزاب: 67 68
عدالۀ الصحابۀ بین العاطفۀ والبرهان
صفحۀ 86 من 154
عدالۀ الصحابۀ بین العاطفۀ والبرهان
عدالۀ الصحابۀ کلّهم بلا استثناء، ونزاهتهم من کلّ سوء هی أحد الأُصول التی یتدیّن بها أهل الحدیث، وقد راجت تلک العقیدة بینهم
حتی اتخذها الإمام الأشعري أحد الأُصول التی یبتنی علیها مذهب أهل السنّۀ جمیعاً( 1)، ونحن نعرض هذه العقیدة علی الکتاب أوّلًا،
وعلی السنّۀ النبویۀ الصحیحۀ ثانیاً، وعلی التاریخ ثالثاً حتی یتجلّی الحقّ بأجلی مظاهره إن شاء اللّه تعالی، ولکن قبل أن ندخل فی
صلب المسألۀ نقدّم تعریف الصحابی فنقول:
الصحابی، ولا نعدّه » : من هو الصحابی؟ إنّ هناك تعاریف مختلفۀ للصحابی نأتی ببعضها علی وجه الإجمال: 1. قال سعید بن المسیب
2. قال الواقدي: رأینا أهل العلم .« إلاّ من أقام مع رسولاللّه صلَّی الله علیه وآله وسلَّم سنۀ أو سنتین وغزا معه غزوة أو غزوتین
یقولون: کلّ من رأي رسول اللّه وقد أدرك فأسلم وعقل أمر الدین ورضیه فهو عندنا ممّن صحب رسول اللّه، ولو

ویعرفون حقّ السلف الذین اختارهم اللّه سبحانه بصحبۀ نبیّه صلَّی الله علیه وآله وسلَّم » : 1 یقول / 1 . مقالات الإسلامیین: 323
( 202 ) .49 :« السنّۀ » لاحظ أیضاً کتاب «; ویأخذون بفضائلهم ویمسکون عمّا شجر بینهم صغیرهم وکبیرهم
ساعۀ من نهار ولکن أصحابه علی طبقاتهم وتقدّمهم فی الإسلام. 3. قال أحمد بن حنبل: أصحاب رسول اللّه کلّ من صحبه شهراً أو
یوماً أو ساعۀ أو رآه. 4. قال البخاري: من صحب رسول اللّه أو رآه من المسلمین فهو أصحابه. 5. وقال القاضی أبو بکر محمد بن
الطیب: لا خلاف بین أهل اللغۀ فی أنّ الصحابی مشتق من الصحبۀ، قلیلًا کان أو کثیراً، ثمّ قال: ومع هذا فقد تقرر للأُمّۀ عرف فإنّهم لا
یستعملون هذه التسمیۀ إلاّ فیمن کثرت صحبته و لا یجیزون ذلک إلاّ فیمن کثرت صحبته لا علی من لقیه ساعۀ أو مشی معه خطی، أو
سمع منه حدیثاً فوجب ذلک أن لا یجري هذا الاسم علی من هذه حاله، ومع هذا فإنّ خبر الثقۀ الأمین عنه مقبول و معمول به وإن لم
6. وقال صاحب الغوالی: لا یطلق اسم الصحبۀ إلاّ علی من صحبه ثمّ یکفی فی الاسم من .« تطل صحبته ولا سمع عنه إلاّ حدیثاً واحداً
حیث الوضع، الصحبۀ ولو ساعۀ ولکن العرف یخصصه بمن کثرت صحبته. قال الجزري بعد ذکر هذه النقول، قلت: وأصحاب رسول
مسلمین فاستنقذوا « هوازن » اللّه علی ما شرطوه کثیرون فإنّ رسول اللّه شهد حنیناً ومعه اثنا عشر ألف سوي الأتباع والنساء، وجاء إلیه
حریمهم وأولادهم، وترك مکۀ مملوءة ناساً وکذلک المدینۀ أیضاً، وکلّ من اجتاز به من قبائل العرب کانوا مسلمین فهؤلاء کلّهم
لهم صحبۀ، وقد شهد معه تبوك من الخلق الکثیر ما لا یحصیهم دیوان، وکذلک حجۀ الوداع، وکلّهم له صحبۀ.( 1) ولا یخفی أنّ
التوسع فی مفهوم الصحابی علی الوجه الذي عرفته فی کلماتهم ممّا لا تساعد علیه اللغۀ والعرف العام، فإنّ صحابۀ الرجل عبارة عن

( 1 12 ، طبع مصر. ( 203 / 1 . أُسد الغابۀ: 11
جماعۀ تکون لهم خلطۀومعاشرة معه مدّة مدیدة، فلا تصدق علی من لیس له حظ إلاّالرؤیۀ عن بعید أو سماع الکلام أو المکالمۀ أو
المحادثۀ فترة یسیرة أو الإقامۀ معه زمناً قلیلًا. وأظن أنّ فی هذا التبسیط والتوسع غایۀ سیاسیۀ، لما سیوافیک أنّ النبی قد تنبّأ بارتداد ثلۀ
من أصحابه بعد رحلته فأرادوا بهذاالتبسیط، صرف هذه النصوص إلی الأعراب وأهل البوادي، الذین لم یکن لهم حظ من الصحبۀ
إلاّلقاء قصیر وسیأتی أنّ هذه النصوص راجعۀ إلی الملتفین حوله الذین کانوا مع النبی لیلًا ونهاراً، صباحاً ومساءً إلی حدّ کان النبی
یعرفهم بأعیانهم وأشخاصهم وأسمائهم، فکیف یصحّ صرفها إلی أهل البوادي والصحاري من الأعراب، فتربّص حتی تأتیک
النصوص. وعلی کلّ تقدیر فلسنا فی هذا البحث بصدد تعریف الصحابۀ وتحقیق الحقّ بین هذه التعاریف غیر أنّا نرکز الکلام علی أنّ
أهل السنّۀ یقولون بعدالۀ هذا الجم الغفیر المدعوین باسم الصحابۀ، وإلیک کلماتهم: عدالۀ جمیعالصحابۀ
قال ابن عبد البر: نثبت عدالۀ جمیعهم.( 1) وقال ابن الأثیر: إنّ السنن التی علیها مدار تفصیل الأحکام ومعرفۀ الحلال الحرام إلی غیر
ذلک من أُمور الدین، إنّما تثبت بعد معرفۀ رجال أسانیدها ورواتها. وأوّلهم والمقدّم علیهم أصحاب رسول اللّه، فإذاجهلهم الإنسان
صفحۀ 87 من 154
کان بغیرهم أشدّجهلًا وأعظم إنکاراً، فینبغی أن یعرفوا بأنسابهم وأحوالهم، هم وغیرهم من الرواة حتی یصحّ العمل بما رواه الثقاة
منهم وتقوم به الحجّ ۀ، فإنّ المجهول لا تصحّ روایته ولا ینبغی العمل بما رواه. والصحابۀ یشارکون سائر الرواة فی جمیع ذلک إلاّفی
الجرح والتعدیل، فإنّهم کلّهم عدول لا یتطرق إلیهم الجرح، لأنّ اللّه عزّوجلّ ورسوله زکیاهم وعدلاهم، وذلک مشهور

( 204 ) .« الإصابۀ » 1 فی هامش / 1 . الاستیعاب فی أسماء الأصحاب: 2
لا نحتاج لذکره.( 1) وقال الحافظ ابن حجر فی الفصل الثالث من الإصابۀ: اتّفق أهل السنّۀ علی أنّ الجمیع عدول ولم یخالف فی ذلک
إلاّ شذوذ من المبتدعۀ. وقد ذکر الخطیب فی الکفایۀ فصلًا نفیساً فی ذلک فقال: عدالۀ الصحابۀ ثابتۀ معلومۀ بتعدیل اللّه لهم وإخباره
عن طهارتهم واختیاره لهم، ثمّ نقل عدّة آیات حاول بها إثبات عدالتهم وطهارتهم جمیعاً إلی أن قال: روي الخطیب بسنده إلی أبی
زرعۀ الرازي قال: إذا رأیت الرجل ینتقص أحداً من أصحاب رسو لاللّه فاعلم أنّه زندیق، وذلک أنّ الرسول حقّ، والقرآن حقّ، وما
جاء به حقّ، وإنّما أدّي إلینا ذلک کلّه الصحابۀ، وهؤلاء یریدون أن یجرحوا شهودنا لیبطلوا الکتاب والسنّۀ، والجرح بهم أولی وهم
زنادقۀ.( 2) هذه کلمات القوم وکم لها من نظائر نترکها طلباً للاختصار. تقییم نظریۀ عدالۀ جمیعالصحابۀ
تقییم هذه النظریۀ یتم بتبیین أُمور: 1. إنّ البحث عن عدالۀ الصحابی أو جرحه لیس لغایۀ إبطال الکتاب والسنّۀ ولا لإبطال شهود
المسلمین، لما سیوافیک من أنّ الکتاب شهد علی فضل عدّة منهم، وزیغ آخرین وهکذا السنّۀ، إنّما الغایۀ فی هذا البحث هی الغایۀ
فی البحث عن عدالۀ التابعین ومن تلاهم من رواة القرون المختلفۀ، فالغایۀ فی الجمیع هی التعرّف علی الصالحین والطالحین، حتی
یتسنّی لنا أخذ الدین عن الصلحاء والتجنب عن أخذه عن غیرهم، فلو قام الرجل بهذا العمل وتحمل العبء الثقیل، لما کان علیه لوم
إذا رأیت الرجل یتفحّص عن أحد من أصحاب الرسول لغایۀ العلم بصدقه أو کذبه، » : فلو قال أبو زرعۀ مکان قوله الآنف هذا القول
أو خیره أو شره، حتی یأخذ دینه عن
.2/ 1 . أُسد الغابۀ: 3
( 205 ) .1/ 2 . الإصابۀ: 17
لکان أحسن وأولی بل هو ،« الخیرة الصادقین، ویحترز عن الآخرین، فاعلم أنّه من جملۀ المحقّقین فی الدین والمتحرین للحقیقۀ
الحسن والمتعیّن. ومن غیر الصحیح أن یتهم العالم أحداً، یرید التثبت فی أُمور الدین، والتحقیق فی مطالب الشریعۀ، بالزندقۀ وأنّه یرید
جرح شهود المسلمین لإبطال الکتاب والسنّۀ، وما شهود المسلمین إلاّالآلاف المؤلّفۀ من أصحابه صلَّی الله علیه وآله وسلَّم فلا یضر
بالکتاب والسنّۀ جرح لفیف منهم وتعدیل قسم منهم، ولیس الدین القیم قائماً بهذا الصنف من المجروحین. ما هکذا تورد یا سعد
الإبل!!. 2. إنّ هذه النظریۀ تکوّنت ونشأت من العاطفۀ الدینیۀ التی حملها المسلمون تجاه الرسول الأکرم صلَّی الله علیه وآله وسلَّم
وجرّتهم إلی تبنّی تلک الفکرة وقد قیل: من عشق شیئاً، عشق لوازمه وآثاره. إنّ صحبۀ الصحابۀ لم تکن بأکثر ولا أقوي من صحبۀ
امرأة نوح وامرأة لوط فما أغنتهما عن اللّه شیئاً، قال سبحانه: (ضَ رَبَ اللّهُ مَثلًا لِلّذینَ کَفَرُوا امرأَةَ نُوح وَامرأَةَ لُوط کانَتا تَحْتَ عَبْدَیْنِ
مِنْ عِبادِنا صالِحَیْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ یُغْنِیا عَنْهُما مِنَ اللّهِ شَیئاً وَقیلَ ادخُلا النّار مَعَ الدّاخلین) .( 1) إنّ التشرّف بصحبۀ النبی لم یکن أکثر
امتیازاً وتأثیراً من التشرّف بالزواج من النبی، وقد قال سبحانه فی شأن أزواجه: (یا نِساءَ النَّبیِّ مَنْ یَأْتِ مِنْکُنَّ بِفاحِشَۀ مُبَیِّنۀ یُضاعَفْ لَهَا
3. إنّ أساتذة العلوم التربویۀ کشفوا عن قانون مجرب، وهو أنّ الإنسان الواقع فی ( الْعَذابُ ضِ عْفَیْنِ وَکانَ ذلِکَ عَلی اللّهِ یَسیراً) .( 2
إطار التربیۀ، إنّما یتأثر بعواملها إذا لم تکتمل شخصیته الروحیۀ والفکریۀ، لأنّ النفوذ فی النفوس المکتملۀ الشخصیۀ، والتأثیر علیها
والثورة علی أفکارها وروحیاتها، یکون صعباً جدّاً (ولا أقول أمراً محالًا) بخلاف ما إذا کان الواقع فی إطارها صبیاً یافعاً أو شاباً فی
عنفوان شبابه، إذ عندئذ یکون قلبه
. 1 . التحریم: 10
صفحۀ 88 من 154
( 206 ) . 2 . الأحزاب: 30
وروحه کالأرض الخالیۀ تنبت ما ألقی فیها، وعلی هذا الأساس لا یصحّ لنا أن نقول: إنّ الصحبۀ والمجالسۀ وسماع بعض الآیات
والأحادیث، أوجدت ثورة عارمۀ فی صحابۀ النبی صلَّی الله علیه وآله وسلَّم وأزالت شخصیاتهم المکونۀ طیلۀ سنین فی العصر
الجاهلی، وکونت منهم شخصیات عالیۀ تعد مثلًا للفضل والفضیلۀ. مع أنّهم کانوا متفاوتین فی السن ومقدار الصحبۀ، مختلفین فی
الاستعداد والتأثر، وحسبک أنّ بعضهم أسلم وهو صبی لم یبلغ الحلم، وبعضهم أسلم وهو فی أوّلیات شبابه، کما أسلم بعضهم فی
الأربعینات والخمسینات من أعمارهم، إلی أن أسلم بعضهم وهو شیخ طاعن فی السن یناهز الثمانین والتسعین. فکما أنّهم کانوا
مختلفین فی السن عند الانقیاد للإسلام، کذلک کانوا مختلفین أیضاً فی مقدار الصحبۀ فبعضهم صحب النبی صلَّی الله علیه وآله
وسلَّم من بدء البعثۀ إلی لحظۀ الرحلۀ، وبعضهم أسلم بعد البعثۀ وقبل الهجرة، وکثیر منهم أسلموا بعد الهجرة وربما أدرکوا من
الصحبۀ سنۀ أو شهراً أو أیّاماً أو ساعۀ، فهل یصحّ أن نقول: إنّ صحبۀ ما، قلعت ما فی نفوسهم جمیعاً من جذور غیر صالحۀ وملکات
ردیۀوکونت منهم شخصیات ممتازة أعلی وأجل من أن یقعوا فی إطار التعدیل والجرح؟! إنّ تأثیر الصحبۀ عند من یعتقد بعدالۀ
الصحابۀ کلّهم أشبه شیء بمادة کیمیاویۀ تستعمل فی تحلیل عنصر کالنحاس إلی عنصر آخر کالذهب، فکأنّ الصحبۀ قلبت کلّ
مصاحب إلی إنسان مثالی یتحلّی بالعدالۀ، وهذا ممّا یردّه المنطق والبرهان، وذلک لأنّ الرسول الأعظم صلَّی الله علیه وآله وسلَّم لم
یقم بتربیۀ الناس وتعلیمهم عن طریق الإعجاز(فَلَو شاء لَهَداکم أَجْمَعین) ( 1) بل قام بإرشاد الناس ودعوتهم إلی الحقّ وصبهم فی
بوتقات الکمال مستعیناً بالأسالیب الطبیعیۀ والإمکانیات الموجودة کتلاوة القرآن الکریم، والنصیحۀ بکلماته النافذة، وسلوکه القویم
وبعث رسله ودعاة دینه إلی الأقطار ونحو
( 207 ) . 1 . الأنعام: 149
ذلک، والدعوة القائمۀ علی هذا الأساس یختلف أثرها فی النفوس حسب اختلاف استعدادها وقابلیاتها، فلا یصحّ لنا أن نرمی الجمیع
بسهم واحد. إلی هنا خرجنا بهذه النتیجۀ وهی: أنّ الأُصول التربویۀ تقضی بأنّ بعض الصحابۀ یمکن أن یصل فی قوّة الإیمان و رسوخ
العقیدة إلی درجات عالیۀ، کما یمکن أن یصل بعضهم فی الکمال والفضیلۀ إلی درجات متوسطۀ، ومن الممکن أن لا یتأثر بعضهم
بالصحبۀ وسائر العوامل المؤثرة إلاّ شیئاً طفیفاً لا یجعله فی صفوف العدول وزمرة الصالحین. هذا هو مقتضی التحلیل حسب الأُصول
النفسیۀ والتربویۀ غیر أنّ البحث لا یکتمل، ولا یصحّ القضاء البات إلاّ بالرجوع إلی القرآن الکریم حتی نقف علی نظره فیهم کما
تجب علینا النظرة العابرة إلی کلمات الرسول فی حقّهم، وملاحظۀ سلوکهم وحیاتهم فی زمنه صلَّی الله علیه وآله وسلَّم وبعده.
الصحابۀ فی الذکر الحکیم
نري أنّ الذکر الحکیم یصنف صحابۀ النبی الأکرم صلَّی الله علیه وآله وسلَّم ویمدحهم فی ضمن أصناف نأتی ببعضها: 1. السابقون
الأوّلون
یصف الذکر الحکیم السابقین الأوّلین من المهاجرین والأنصار والتابعین لهم بأنّ اللّه رضی عنهم وهم رضوا عنه، قال عزّمن
قائل:(وَالسّابِقُونَ الَأوّلُونَ مِنَ المُهاجِرینَ وَالَأنْصارِ وَالّذِینَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسان رَضَ یَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنّات تَجْري تَحْتَها
الَأنْهارُ خالِدینَ فِیها أَبداً ذلِکَ الفَوزُ العَظیم)( 1).
. 1 . التوبۀ: 100
2. المبایعون تحت الشجرة ( 208 )
یصف سبحانه جماعۀ من الصحابۀ الذین بایعوه تحت الشجرة بنزول السکینۀ علیهم، ویقول فی محکم کتابه: (لَقَدَ رَضِ یَ اللّه عَنِ
3. المهاجرون ( الْمُؤْمِنینَ إِذْیُبایِعُونَکَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِی قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّکینَۀ عَلَیْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتحاً قَریباً) .( 1
وهؤلاء هم الذین یصفهم تعالی ذکره بقوله: (لِلْفُقَراءِ المُهاجِرِینَ الَّذِینَ أُخْرِجُوا مِنْ دِیارِهِمْ وَأَموالِهِمْ یَبْتَغُونَ فَضْ لًا مِنَ اللّهِ وَرِضْواناً
صفحۀ 89 من 154
4. أصحاب الفتح ( وَیَنْصُرُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِکَ هُمُ الصّادِقُونَ) .( 2
هؤلاء هم الذین وصفهم اللّه سبحانه وتعالی فی آخر سورة الفتح بقوله: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللّهِ وَالَّذِینَ مَعَهُ أَشِدّآءُ عَلی الکُفّارِ رُحَمَاءُ
بَیْنَهُمْ تَراهُمْ رُکَّعاً سُجَّداً یَبْتَغُونَ فَضلًا مِنَ اللّهِ وَرِضْواناً سیماهُمْ فی وُجُوهِهِمْ مِّنْ أَثَرِ السُّجُ ود ذلِکَ مَثَلُهُمْ فِی التَّوراةِ وَمَثَلُهُمْ فِی
الإِنْجِیلِ کَزَرْع أَخْرَجَ شَطأَهُ فَ آزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوي عَلی سُوقِهِ یُعْجِبُ الزُّرّاع لِیَغیظَ بِهِمُ الکُفَّارَ وَعَدَ اللّهُ الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجراً عَظیماً) .( 3) الأصناف الأُخر للصحابۀ
فالناظر المخلص المتجرّد عن کلّ رأي مسبق، یجد فی نفسه تکریماً لهؤلاء الصحابۀ غیر أنّ القضاء البات فی عامۀ الصحابۀ یستوجب
النظر إلی کلّ الآیات
. 1 . الفتح: 18
. 2 . الحشر: 8
( 209 ) . 3 . الفتح: 29
القرآنیۀ الواردة فی حقّهم فعندئذ یتبیّن لنا أنّ هناك أصنافاً أُخري من الصحابۀ غیر ما سبق ذکرها، تمنعنا من أن نضرب الکلّ بسهم
واحد، ونصف الکلّ بالرضا وبالرضوان. وهذا الصنف من الآیات یدلّ بوضوح علی وجود مجموعات من الصحابۀ تضاد الأصناف
السابقۀ فی الخلقیات والملکات والسلوك والعمل، وإلیک لفیفاً منهم: 1. المنافقون المعروفون
المنافقون المعروفون بالنفاق الذین نزلت فی حقّهم سورة المنافقین، قال سبحانه: (إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّکَ لَرَسُولُ اللّهِ
وَاللّهُ یَعْلَمُ إِنَّکَ لَرَسُولُهُ وَاللّهُ یَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافقینَ لَکاذِبُونَ...).( 1) فهذه الآیات تعرب بوضوح عن وجود کتلۀ قویۀ من المنافقین بین
الصحابۀ آنذاك وکان لهم شأن فنزلت سورة قرآنیۀ کاملۀ فی حقّهم. 2. المنافقون المختفون
تدلّ بعض الآیات علی أنّه کانت بین الأعراب القاطنین خارج المدینۀ ومن نفس أهل المدینۀ، جماعۀ مردوا علی النفاق وکان النبی
( الأعظم لا یعرف بعضهم، ومن تلک الآیات قوله سبحانه: (وَمِمَّنْ حَولَکُمْ مِنَ الَأعرابِ مُنافِقُونَ وَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِینَۀِ مَرَدُوا عَلی النّفاق( 2
لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ) .( 3) لقد أعطی القرآن الکریم عنایۀ خاصۀ بعصبۀ المنافقین وأعرب عن نوایاهم وندد بهم فی السور التالیۀ:
البقرة، آل عمران، المائدة، التوبۀ، العنکبوت، الأحزاب، محمّد، الفتح، الحدید، المجادلۀ، الحشر، والمنافقین.
. 1 . المنافقون: 1
2 . مردوا علی النفاق: تمرّنوا علیه وتمارسوا علیه.
( 210 ) . 3 . التوبۀ: 101
وهذا إن دلّ علی شیء فإنّما یدلّ علی أنّ المنافقین کانوا جماعۀ هائلۀ فی المجتمع الإسلامی، بین معروف عرف بسمۀ النفاق ووصمۀ
الکذب، وغیر معروف بذلک، ولکن مقنّع بقناع التظاهر بالإیمان والحب للنبی، فلو کان المنافقون جماعۀ قلیلۀ غیر مؤثرة لما رأیت
هذه العنایۀ البالغۀ فی القرآن الکریم، وهناك ثلۀ من المحقّقین کتبوا حول النفاق والمنافقین رسائل وکتابات، وقد قام بعضهم بإحصاء
ما یرجع إلیهم، فبلغ مقداراً یقرب من عشر القرآن الکریم ( 1)، وهذا إن دلّ علی شیء فإنّما یدلّ علی کثرة أصحاب النفاق وتأثیرهم
یوم ذاك فی المجتمع الإسلامی، وعلی ذلک لا یصحّ لنا الحکم بعدالۀ کلّ من صحب النبی مع غض النظر عن تلک العصابۀ
المجرمۀ، المتظاهرة بالنفاق أو المختفیۀ فی أصحاب النبی صلَّی الله علیه وآله وسلَّم . 3. مرضی القلوب
وهذه المجموعۀ من الصحابۀ لم یکونوا من زمرة المنافقین بل کانوا یلونهم فی الروحیات والملکات مع ضعف فی الإیمان والثقۀ باللّه
ورسوله صلَّی الله علیه وآله وسلَّم قال سبحانه فی حقّهم: (وَإِذْ یَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذینَ فی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللّهُ وَرَسُولُهُ
إِلاّغُرُوراً) .( 2) فأنّی لنا أن نصف مرضی القلوب الذین ینسبون خلف الوعد إلی اللّه سبحانه وإلی رسوله صلَّی الله علیه وآله وسلَّم
بالتقوي والعدالۀ؟ 4. السمّاعون
صفحۀ 90 من 154
تلک المجموعۀ کانت قلوبهم کالریشۀ فی مهب الریح تتمایل تارة إلی هؤلاء وأُخري إلی أُولئک بسبب ضعف إیمانهم، وقد حذّر
لأهل « السمّاعون » الباري عزّوجلّ المسلمین منهم حیث قال عزّمن قائل، واصفاً إیّاهم ب
1 . النفاق والمنافقون: تألیف الأُستاذ إبراهیم علی سالم المصري.
( 211 ) . 2 . الأحزاب: 12
الفتنۀ: (إِنَّمَا یَستأْذِنُکَ الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْیَومِ الآخِرِ وَارتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فی رَیْبِهِمْ یَتَردَّدُونَ* ولو أرَادُوا الخُرُوجَ لَأعدُّوا لَهُ عُدَّّةً
وَلکِنْ کَرِهَ اللّهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبّطهُمْ وَقیلَ اقْعُدُوا مَعَ القاعِدینَ* لَوْ خَرَجُوا فِیکُمْ ما زادُوکُمْ إِلاّخَبَالاً ولَأوضَ عوْا خِلاَلَکُمْ یَبغُونَکُمُ الْفِتْنَۀَ
وَفِیکُمْ سَمّاعُونَ لَهُمْ وَاللّهُ عَلیمٌ بِالظّ الِمِینَ) ( 1) وذیل الآیۀ دلیل علی کون السمّاعین من الظالمین لا من العدول. 5. خالطو العمل
الصالح بغیره
وهؤلاء هم الذین یقومون بالصلاح والفلاح تارة، والفساد والعیث مرّة أُخري، فلأجل ذلک خلطوا عملاً صالحاً بعمل سیِّء قال
6. المشرفون علی الارتداد ( سبحانه: (وَآخَرونَ اعْتَرفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَیِّئاً) .( 2
إنّ بعض الآیات تدلّ علی أنّ مجموعۀ من الصحابۀ کانت قد أشرفت علی الارتداد یوم دارت علیهم الدوائر، وکانت الحرب بینهم و
بین قریش طاحنۀ فأحسّوا بضعفهم وقد أشرفوا علی الارتداد، عرّفهم الحقّ سبحانه بقوله: (وَطاِئِفَۀٌ قَدْ أَهَمَّتهُمْ أَنْفُسهُمْ یَظُنُّونَ بِاللّهِ غَیْرَ
الحَقِّ ظَنَّ الجاهِلیَّۀِ یَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الَأمْرِ مِنْ شیء قُلْ إنِ الَأمْرَ کُلَّهُ للّهِ یخفونَ فی أَنفُسِهِمْ ما لا یبدُونَ لکَ یَقُولُونَ لَو کانَ لَنا مِنَ
7. الفاسق ( الَأمْرِ شَیءٌ ما قُتِلْنَا هَاهُنا).( 3
إنّ القرآن الکریم یحث المؤمنین وفی مقدّمتهم الصحابۀ الحضور، علی التحرز من خبر الفاسق حتّی یتبیّن، فمن هذا الفاسق الذي أمر
القرآن بالتحرّز منه؟ اقرأ أنت ما نزل حول الآیۀ من شأن النزول واحکم بما هو الحقّ.
. 1 . التوبۀ: 45 47
. 2 . التوبۀ: 102
( 212 ) . 3 . آل عمران: 154
قال سبحانه: (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِنْ جاءَکُمْ فاسِقٌ بِنَبأ فَتَبَیَّنُوا أَنْ تُصیبُوا قَوماً بِجَهالۀ فَتُصْ بِحُوا عَلی ما فَعَلْتُمْ نادِمِینَ) .( 1) فإنّ من
المجمع علیه بین أهل العلم أنّه نزل فی حقّ الولید بن عقبۀ بن أبی معیط، وذکره المفسرون فی تفسیر الآیۀ فلا نحتاج إلی ذکر
المصادر. کما نزل فی حقّه قوله تعالی: (أَفَمَنْ کانَ مَؤمِناً کَمَنْ کانَ فاسِقاً لا یَسْتَوونَ) ( 2)، نقل الطبري فی تفسیره بإسناده أنّه کان بین
فأنزل اللّه « اسکت فإنّک فاسق » : الولید وعلی کلام، فقال الولید: أنا أبسط منک لساناً وأحد منک سناناً وأرد منک للکتیبۀ. فقال علی
فیهما: (أَفَمَنْ کانَ مَؤْمِناً کَمَنْ کانَ فاسِقاً لا یَسْتَوُون).( 3) وقد نظم الحدیث حسان بن ثابت(شاعر عصر الرسالۀ) وقال: أنزل اللّه
والکتاب عزیز * فی علی و فی الولید قرآناً فتبوّأ الولید إذ ذاك فسقاً * وعلی مبوّأ إیماناً لیس من کان مؤمناً عرف * اللّه کمن کان
فاسقاً خواناً سوف یدعی الولید بعد قلیل * وعلی إلی الحساب عیاناً فعلی یجزي بذاك جناناً * وولید یجزي بذاك هواناً( 4) أفهل
یمکن لباحث حر، التصدیق بما ذکره ابن عبد البر وابن الأثیر وابن حجر، وفی مقدمتهم أبو زرعۀ الرازي الذي هاجم المتفحّصین
المحقّقین فی أحوال الصحابۀ واتّهمهم بالزندقۀ.
. 1 . الحجرات: 6
. 2 . السجدة: 18
.3/ 21 ، و تفسیر ابن کثیر: 452 / 3 . تفسیر الطبري: 62
الطبعۀ ، « شرح النهج ;» لابن طلحۀ : 20 « مطالب السؤول ;» الکنجی: 55 « کفایۀ ;» سبط ابن الجوزي: 115 « تذکرة الخواص » . 4
8. المسلمون غیر المؤمنین ( 213 ) .2/42 :« الغدیر » 2. لاحظ / لأحمد زکی: 23 « جمهرة الخطب ;» 2/ القدیمۀ: 103
صفحۀ 91 من 154
إنّ القرآن یعد جماعۀ من الأعراب الذین رأوا النبی وشاهدوه وتکلّموا معه، مسلمین غیر مؤمنین وأنّهم بعد لم یدخل الإیمان فی
قلوبهم قال سبحانه: (قالَتِ الَأعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلکِنْ قُولُوآ أَسْلَمْنَا وَلَمَّا یَدخُلِ الإِیمَانُ فی قُلُوبِکُمْ وَإِنْ تُطیعُوا اللّهَ وَرَسُولَهُ لا
یَلتکُمْ مِنْ أَعْمالِکُمْ شَیئاً إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِیمٌ).( 1) أفهل یصحّ عدّ عصابۀ غیر مؤمنین من العدول الأتقیاء؟! 9. المؤلّفۀ قلوبهم
اتّفق الفقهاء علی أنّ المؤّلفۀ قلوبهم ممّن تصرّف علیهم الصدقات قال سبحانه: (إِنَّما ال َ ص دقات لِلْفُقَراءِ وَالمَساکینَ وَالعامِلینَ عَلَیهَا
وَالمُؤَلَّفَۀِ قُلُوبُهُمْ وَفِی الرِّقَابِ وَالغارِمینَ وَفی سَبیلِ اللّهِ وَابنِ السَّبیل فَریضۀً مِنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلیمٌ حَکیم) .( 2) والمراد من ( المؤلّفۀِ
قُلُوُبُهمْ): الذین کانوا فی صدر الإسلام ممّن یظهرون الإسلام ، یتألّفون بدفع سهم من الصدقۀ إلیهم لضعف یقینهم ، وهناك أقوال
10 . المولّون أمام الکفّار ( أُخر فیهم متقاربۀ والکلّ یهدف إلی الإعطاء لمن لا یتمکن إسلامه حقیقۀ إلاّ بالعطاء.( 3
إنّ التولی عن الجهاد والفرار منه، من الکبائر الموبقۀ التی ندد بها سبحانه بقوله: (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذا لَقِیتُمُ الَّذینَ کَفَرُوا زَحْفاً فَلا
( تُولَّوهُمُ الَأدبَارَ* وَمَنْ یُولّهِمْ یَومئذ دُبُرَهُ إِلاّمُتَحَرِّفاً لّقِتَال أَوْ مُتَحْیّزاً إِلی فِئۀ فَقَدْ بَ آءَ بِغَضب مِنَ اللّهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِ یرُ) .( 4

. 1 . الحجرات: 14
. 2 . التوبۀ: 60
.2/ 8. لاحظ: المغنی لابن قدامۀ: 556 / 3 . تفسیر القرطبی: 187
( 214 ) . 4 . الأنفال: 15 16
إنّ التحذیر من التولی والفرار من الزحف، والحث علی الصمود أمام العدو، لم یصدر من مصدر الوحی إلاّ بعد فرار مجموعۀ کبیرة
أمّا الأوّل: فیکفیک قول ابن هشام فی تفسیر الآیات النازلۀ فی أُحد: قال: ثمّ أنّبهم علی .« حنین » و « أُحد » من صحابۀ النبی فی غزوة
الفرار عن نبیهم وهم یدعون، لا یعطفون علیه لدعائه إیّاهم فقال: (إِذْ تُصْ عِدُونَ ولا تَلْوُونَ عَلَی أحَ د والرَّسُولُ یَدْعُوکُمْ فِی أُخراکُمْ)
1) وأمّا الثانی: فقد قال ابن هشام فیه أیضاً فلمّا انهزم الناس ورأي من کان مع رسول اللّه صلَّی الله علیه وآله وسلَّم من جفاة أهل ).
مکۀ، الهزیمۀ تکلّم رجال منهم بما فی أنفسهم من الضغن، فقال أبو سفیان بن حرب: لا تنتهی هزیمتهم دون البحر، وصرخ جبلۀ ابن
حنبل: ألا بطل السحر الیوم...( 2) أفبعد هذا یصحّ أن یعد جمیع الصحابۀ بحجۀ أنّهم رأوا نور النبوة، عدولًا أتقیاء؟! قال القرطبی فی
وعفا اللّه عنهم، و قال اللّه فیهم یوم حنین:(ثمّ ولّیتم مُدبرین) ثمّ ذکر فرار عدّة من أصحاب النبی من « أحد » تفسیره: قد فر الناس یوم
بعض السرایا.( 3) هذا الإمام الواقدي یرسم لنا تولّی الصحابۀ منهزمین ویقول: فقالت أُمّ الحارث: فمر بی عمر بن الخطاب فقلت له: یا
عمر ما هذا؟ فقال عمر: أمر اللّه. وجعلت أمّ الحارث تقول: یا رسول اللّه من جاوز بعیري فأقتله.( 4)
. 1 . آل عمران: 153
4، ولاحظ التفاسیر. / 3، و 444 / 2 . سیره ابن هشام: 114
.7/ 3 . تفسیر القرطبی: 383
3. إنّ تعلیل الفرار من الزحف بقضاء اللّه یشبه تعلیل عبّادَالأوثان شرکهم به کما فی قوله سبحانه حاکیاً عن / 4 . مغازي الواقدي: 904
المشرکین: (لو شاء اللّه ما أشرکنا ولا آباؤنا) (الأنعام: 148 ) وتلزم من ذلک تبرئۀ العصاة والکفّار، لأنّ أعمالهم کلّها بقضاء منه. ( 215
(
هذه هی الأصناف العشرة من صحابۀ النبی ممّن لا یمکن توصیفهم بالعدالۀ والتقوي، أتینا بها فی هذه العجالۀ مضافاً إلی الأصناف
المضادة لها، ولکن نلفت نظر القارئ الکریم إلی الآیات الواردة فی أوائل سورة البقرة وسورة النساء وغیرها من الآیات القرآنیۀ فتري
فیها أنّ الإیمان بعدالۀ الصحابۀ مطلقاً خطأ فی القول،وزلۀ فی الرأي، یضاد نصوص الذکر الحکیم ولم تکن الصحابۀ إلاّ کسائر الناس
فیهم صالح تقی، بلغ القمۀ فی التقی والنزاهۀ، وفیهم طالح شقی، سقط إلی هوة الشقاءوالدناءة. ولکن الذي یمیّز الصحابۀ عن غیرهم
صفحۀ 92 من 154
أنّهم رأوا نور النبوة وتشرّفوا بصحبۀ النبی صلَّی الله علیه وآله وسلَّم وشاهدوا معجزاته فی حلبۀ المباراة بأُمّ أعینهم، ولأجل ذلک
تحمّلوا مسؤولیۀ کبیرة أمام اللّه وأمام الأجیال المعاصرة لهم واللاحقۀ بهم، فإنّهم لیسوا کسائر الناس، فزیغهم ومیلهم عن الحقّ أشدّ لا
یعادل زیغ أکثر الناس وانحرافهم، وقد قال سبحانه فی حقّ أزواج النبی صلَّی الله علیه وآله وسلَّم : (یا نِساءَ النَّبیَّ لَسْتُنَّ کَأَحَد مِنَ
النِّساء...) ( 1) فلو انحرف هؤلاء فقد انحرفوا فی حال شهدوا النور، ولمسوا الحقیقۀ، وشتان الفرق بینهم و بین غیرهم. الصحابۀ فی
السنۀ النبویۀ
إذا راجعنا الصحاح والمسانید نجد أنّ أصحابها أفردوا باباً بشأن فضائل الصحابۀ، إلاّ أنّهم لم یفردوا باباً فی مثالبهم بل أقحموا ما یرجع
إلی هذه الناحیۀ فی أبواب أُخر، ستراً لمثالبهم، وقد ذکرها البخاري فی الجزء التاسع من صحیحه فی باب الفتن، وأدرجها ابن الأثیر
فی جامعه فی أبواب القیامۀ عند البحث عن الحوض، والوضع الطبیعی لجمع الأحادیث وترتیبها، کان یقتضی عقد باب مستقل
للمثالب فی جنب الفضائل حتی یطلع القارئ علی قضاء السنّۀ حول صحابۀ النبی الأکرم.
( 216 ) . 1 . الأحزاب: 32
روي أبو حازم عن سهل بن سعد قال: قال النبی صلَّی الله علیه وآله وسلَّم : إنّی فرطکم علی الحوض من ورد شرب، ومن شرب لم
یظمأ أبداً ولیردن علی أقوام أعرفهم ویعرفونی ثمّ یحال بینی و بینهم ... قال أبو حازم: فسمع النعمان بن أبی عیاش وأناأحدّثهم بهذا
الحدیث فقال: هکذا سمعت سهلًا یقول؟ فقلت: نعم قال: وأنا أشهد علی أبی سعید الخدري لسمعته یزید فیقول: إنّهم منّی فیقال:
أخرجه البخاري ومسلم.( 1) وظاهر الحدیث أنّ المراد بقرینۀ .« إنّک لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول: سحقاً سحقاً لمن بدّل بعدي
أصحابه الذي عاصروه وصحبوه وکانوا معه مدّة ثمّ مضوا. روي البخاري ومسلم أنّ رسول اللّه صلَّی الله علیه وآله وسلَّم « بدّل بعدي »
یرد علی یوم القیامۀ رهط من أصحابی أو قال من أُمّتی فیحلؤون عن الحوض فأقول یا ربّ أصحابی فیقول: إنّه لا علم لک » : قال
بینما » : 2) ثمّ قال: وللبخاري: أنّ رسول اللّه صلَّی الله علیه وآله وسلَّم قال ).« بما أحدثوا بعدك، إنّهم ارتدوا علی أدبارهم القهقري
أنا قائم علی الحوض إذا زمرة حتی إذا عرفتهم خرج رجل بینی و بینهم فقال: هلم! فقلت: أین؟ فقال: إلی النار واللّه، فقلت: ما شأنهم؟
قال: إنّهم ارتدّوا علی أدبارهم القهقري ;ثمّ إذا زمرة أُخري، حتی إذا عرفتهم خرج رجل بینی و بینهم فقال لهم: هلم، فقلت: إلی
3) وظاهر ).« أین؟ قال: إلی النار واللّه، قلت: ما شأنهم؟ قال: إنّهم ارتدوا علی أدبارهم فلا أراه یخلص منهم إلاّمثل همل النعم
ارتدّوا علی أدبارهم » وقوله « حتی إذا عرفتهم » الحدیث
المتقدّم قومه إلی الماء، :« الفرط » 11 ، کتاب الحوض فی ورود الناس علیه، رقم الحدیث 7972 . و / 1 . جامع الأُصول لابن الأثیر: 120
ویستوي فیه الواحد والجمع، یقال رجل فرط وقوم فرط.
. 11 ، رقم الحدیث 7973 / 2 . جامع الأُصول 120
کنایۀ عن أنّ الناجی عدد قلیل، وقد اکتفینا من الکثیر بالقلیل، ومن أراد الوقوف علی ما لم « همل النعم » 11 ، و / 3 . جامع الأُصول: 121
( 217 ) .« جامع الأُصول » نذکره فلیرجع إلی
أنّ الذین أدرکوا عصره وکانوا معه، هم الذین یرتدّون بعده. الصحابۀ والتاریخ المتواتر « القهقري
کیف یمکن عدّالصحابۀ جمیعاً عدولًا والتاریخ بین أیدینا نري أنّ بعضهم ظهر علیه الفسق فی حیاة النبی وبعده، کولید بن عقبۀ. أمّا
الأوّل فقد عرفت نزول الآیۀ فی حقّه ;وأمّا الثانی فروي أصحاب السیر والتاریخ أنّ الولید بن عقبۀ أیّام ولایته بالکوفۀ شرب الخمر وقام
لیصلی بالناس صلاة الفجر فصلّی أربع رکعات، وکان یقول فی رکوعه وسجوده: اشربی واسقنی، ثمّ قاء فی المحراب ثمّ سلم، و قال:
هل أزیدکم... إلی آخر ما ذکروه.( 1) وبعضهم ظهرت علیه سمۀ الارتداد عندما بدت علائم الهزیمۀ عند المسلمین فقال: لا تنتهی
هزیمتهم دون البحر( 2)، و قال الآخر: ألا بطل السحر.( 3) وهذا رسول اللّه یخاطب ذي الخویصرة عندما قال للنبی فی تقسیم غنائم
ویحک إن لم یکن العدل عندي فعند من یکون؟! ثمّ قال: فإنّه یکون له شیعۀ یتعمّقون فی الدین حتی یخرجوا »: اعدل، بقوله :« حنین »
صفحۀ 93 من 154
4) وهذا أبو سفیان یضرب برجله قبر حمزة علیه السَّلام ویقول: ذق عقق إنّ الملک الذي کنّا ).« منه کما یخرج السهم من الرمیّۀ
نتنازع علیه أصبح الیوم بید صبیاننا.( 5)
5 وغیرهما. وقد أقام الإمام أمیر المؤمنین علی علیه السَّلام علیه الحد فی خلافۀ عثمان / 2 ;أُسد الغابۀ: 91 / 1 . الکامل لابن الأثیر: 52
بإصرار من الناس وإلحاح منهم لئلّا تتعطل الحدود.
4 والقائل أبو سفیان. / 2 . سیرة ابن هشام: 443
4 والقائل کلدة بن الحنبل فقال له صفوان: اسکت فض اللّه فاك. / 3 . سیرة ابن هشام: 444
.4/ 4 . سیرة ابن هشام: 496
( 10 نقلًا عن الشرح الحدیدي. ( 218 / 5 . قاموس الرجال: 89
وهذا أبو سفیان عندما بویع عثمان، دخل إلیه بنو أبیه حتی امتلأت بهم الدار ثمّ أغلقوها علیهم، فقال أبو سفیان: أعندکم أحد من
غیرکم؟ قالوا: لا. قال: یا بنی أُمیّۀ تلقّفوها تلقّف الکرة، فوالذي یحلف به أبو سفیان ما من عذاب ولا جنۀ ولا نار ولا بعث ولا
قیامۀ.( 1) أفهل بعد هذه الکلمات الکاشفۀ عن الردة الخبیثۀ یصحّ لمسلم أن یعد هؤلاء وأمثالهم من صنف العدول وطبقۀ الصالحین
ویعد جرحهم إبطالًا للکتاب والسنّۀ و تضعیفاً لشهود المسلمین؟! آراء الصحابۀ بعضهم حول البعض
إنّ النظرة العابرة لتاریخ الصحابۀ تقتضی بأنّ بعضهم کان یتهم الآخر بالنفاق والکذب، کما أنّ بعضهم کان یقاتل بعضاً، ویقود جیشاً
لمحاربته، فقتل بین ذلک جماعۀ کثیرة، أفهل یمکن تبریر أعمالهم من الشاتم والمشتوم، والقاتل والمقتول وعدّهم عدولًا ومثلًا
للفضل والفضیلۀ؟! وإلیک نزراً یسیراً من تاریخهم ممّا حفظته ید النقل غفلۀ عن المبادئ العامۀ لأصحاب الحدیث: 1. روي البخاري
مشاجرة سعد بن معاذ مع سعد بن عبادة سید الخزرج فی قضیۀ الإفک قال: قام رسول اللّه صلَّی الله علیه وآله وسلَّم فاستعذر
یومئذ من عبد اللّه بن أبی وهو علی المنبر فقال: یا معشر المسلمین من یعذرنی من رجل قد بلغنی عنه أذاه فی أهلی، واللّه ما علمت
فقام سعد بن معاذ، أخو بنی عبد .« علی أهلی إلاّخیراً ولقد ذکروا رجلاً ما علمت علیه إلاّ خیراً وما کان یدخل علی أهلی إلاّ معی
الأشهل فقال: أنا یا رسول اللّه أعذرك فإن کان من الأوس ضربت عنقه، وإن کان من إخواننا من الخزرج أمرتنا، ففعلنا أمرك. فقام
رجل من الخزرج: وهو سعد بن عبادة وهو سید الخزرج وکان قبل ذلک رجلًا صالحاً، ولکن احتملته الحمیۀ، فقال لسعد: کذبت لعمر
اللّه لا تقتله ولا تقدر علی قتله، ولو کان من رهطک ما أحببت أن یقتل. فقام أسید بن حضیر
( 9 نقلًا عن کتاب السقیفۀ للجوهري. ( 219 / 1 . الشرح الحدیدي: 53
وهو ابن عمّ سعد، فقال لسعد بن عبادة: کذبت لعمر اللّه لنقتلنّه فإنّک منافق تجادل عن المنافقین. فثار الحیّان: الأوس والخزرج، حتی
همّوا أن یقتتلوا ورسول اللّه قائم علی المنبر، فلم یزل رسول اللّه یخفضهم حتی سکتوا وسکت.( 1) اقرأ فاقض، فإنّ هؤلاء یتّهم بعضهم
بعضاً بالکذب والنفاق، ونحن نعتبرهم عدولًا صلحاء، والإنسان علی نفسه بصیرة. 2. إنّ الحروب الدائرة بین الصحابۀ أنفسهم والثورة
التی أقامها أصحاب النبی ومن اتّبعهم علی عثمان بن عفان حتی جرّت إلی قتله، أفضل دلیل علی أنّه لا یصحّ تعریف الصحابۀ
وتوصیفهم بالعدالۀ والتقوي، إذ کیف یصحّ أن یکون القاتل والمقتول کلاهما علی الحقّ والعدالۀ؟! وهذا هو طلحۀ وهذا الزبیر قد
جهّزا جیشاً جراراً لحرب الإمام علی علیه السَّلام وأعانتهما أمّ المؤمنین فقتلت جماعۀ کثیرة بین ذلک، فهل یمکن تعدیل کلّ هذه
الجماعۀ حتّی الباغین علی الإمام المفترض الطاعۀ بالنصّ أوّلًا، وببیعۀ المهاجرین والأنصار والتابعین لهم بإحسان ثانیاً؟! وهذا معاویۀ
بن أبی سفیان یعدّ من الصحابۀ وقد صنع بالإسلام والمسلمین ما قد صنع ممّا هو مشهور فی التاریخ، و من ذلک أنّه حارب الإمام علیّاً
علیه الصلاة والسلام فی حرب صفین، وکان علی مع کلّ من بقی من البدریین وهم قریب من مائۀ شخص، فهل من حارب هؤلاء
الصحابۀ جمیعاً بما فیهم سید الصحابۀ علی علیه السَّلام یعدّ من أهل الفضل والصلاح والعدالۀ؟! فاقض ما أنت قاض. لقد نقل
لبعض المسلمین وفیهم أحد شرفاء مکۀ: إنّه ینبغی لنا أن نقیم تمثالًا من « الآستانۀ » صاحب المنار: أنّه قال أحد علماء الألمان فی
صفحۀ 94 من 154
قیل له: لماذا؟! قال: .« برلین » الذهب لمعاویۀ ابن أبی سفیان فی میدان کذا من عاصمتنا
( 5 119 فی تفسیر سورة النور. ( 220 / 1 . صحیح البخاري: 118
لأنّه هو الذي حول نظام الحکم الإسلامی عن قاعدته الدیمقراطیۀ إلی عصبیۀ الغلب (الملک لمن غلب)ولولا ذلک لعمّ الإسلام العالم
کلّه، ولکنّا نحن الألمان وسائر شعوب أوروبا عرباً مسلمین.( 1) هذا خال المؤمنین و من یترحّم علیه خطباء الجمعۀ والجماعۀ، فکیف
حال غیره؟! أضف إلیه ما له من الموبقات والمهلکات ممّا لا یمکن لأحد إنکاره. والاعتذار منه فی تبریر أعماله القاسیۀ باجتهاده فی
ما ناء به وباء بإثمه من حروب دامیۀ وإزهاق نفوس بریئۀ تعد بالآلاف المؤلّفۀ، لیس إلاّ ضلالۀ وخداعاً للعقل، فإنّه اجتهاد علی خلاف
ما یریده اللّه وضدّ رسوله، وإلاّ یصحّ أن یعد جمیع المناوئین للإسلام مجتهدین فی صدر الإسلام ومؤخّره. هذا مجمل القول فی هذا
الأصل الذي اتّخذه أصحاب الحدیث أصلًا من أُصول الإسلام ثمّ أدخله الأشعري فی الأُصول التی یتبنّاها أکثر أهل السنّۀ والجماعۀ.
التعذیر التافه أو أسطورة الاجتهاد
وما أتفه قول من یرید تبریر عمل هؤلاء بالاجتهاد، وأنّهم کانوا مجتهدین فی أعمالهم وأفعالهم، أفهل یصحّ تبریر عمل القتل والفتک
والخروج علی الإمام المفترض طاعته، بالاجتهاد؟! ولو صحّ هذا الاجتهاد (ولن یصحّ أبداً) لصحّ عن کلّ من خالف الحقّ وحالف
الباطل من الیهود و النصاري وغیرهم من الطغام اللئام. أي قیمۀ للاجتهاد فی قبال النص وصریح السنّۀ النبویۀ وإجماع الأُمّۀ؟! أي قیمۀ
للاجتهاد الذي أباح دماء المسلمین ودمّر کیانهم وشقّ عصاهم وفک عري وحدتهم، أي، وأي، وأي؟! إنّ القائلین بعدالۀ الصحابۀ
2) غیر أنّ متن الحدیث یکذب صدوره عن ).« أصحابی کالنجوم بأیّهم اقتدیتم اهتدیتم » : یتمسّ کون بما یروون عن النبی أنّه قال

11 فی تفسیر سورة یونس. / 1 . تفسیر المنار: 269
( 410 رقم الحدیث 6359 ، کتاب الفضائل. ( 221 / 2 . جامع الأُصول: 9
النبی إذ لیس کلّ نجم هادیاً للإنسان فی البر والبحر، بل هناك نجوم خاصۀ موجبۀ للاهتداء، ولأجل ذلک قال سبحانه: (وَعَلامات
وَبِالنَّجْمِ هُمْ یَهْتَدُون).( 1) ولم یقل : وبالنجوم هم یهتدون، ولو کان کلّ نجم هادیاً للضال لکان الأنسب الإتیان بصیغۀ الجمع. ولو
افترضنا صحّۀ الاهتداء بکلّ نجم فی السماء، أفهل یمکن أن یکون کلّ صحابی نجماً لامعاً فی سماء الحیاة، هادیاً للأُمّۀ؟! هذا قدامۀ
بن مظعون صحابی بدري یعد من السابقین الأوّلین ومن المهاجرین هجرتین، روي أنّه شرب الخمر وأقام علیه عمر الحد.( 2) کما أنّ
المشهور أنّ عبد الرحمن الأصغر بن عمر بن الخطاب قد شرب الخمر.( 3) وقد ارتد طلیحۀ بن خویلد عن الإسلام وادّعی النبوة، ومثله
مسیلمۀ والعنسی الکذّابان وأمرهما أشهر من أن یذکر. إنّ بعض الصحابۀ خضب وجه الأرض بالدماء، فاقرأ تاریخ بسر بن أرطأة حتی
إنّه قتل طفلین لعبید اللّه بن عباس!! وکم وکم بین الصحابۀ لدة هؤلاء من رجال العیث والفساد قد حفل التاریخ بضبط مساوئهم، أفبعد
هذه البینات یصح لأي ابن أُنثی أن یتقوّل بعدالۀ الصحابۀ مطلقاً ویتّخذها مذهباً و یرمی المخالف له، بما هو بريء منه؟! الموقف
الصحیح من الصحابۀ
والنظریۀ القویمۀ المستقیمۀ هی نظریۀ الشیعۀ المنعکسۀ فی الدعاء المروي عن الإمام الطاهر علی بن الحسین علیهما السَّلام تري أن
یدعو اللّه سبحانه فی حقّ أصحاب محمّد صلَّی الله علیه وآله وسلَّم لا لکلّهم، بل للّذین أحسنوا
. 1 . النحل: 16
4 وسائر کتب التراجم. / 2 . أُسد الغابۀ: 199
( 222 ) .3/ 3 . أُسد الغابۀ: 312
الصحبۀ، والذین أبلوا البلاء الحسن فی نصره، والذین عاضدوه وأسرعوا إلی وفادته وإلیک تلک الکلمۀ المبارکۀ من الصحیفۀ
اللّهمّ وأصحاب محمّد رسول اللّه صلَّی الله علیه وآله وسلَّم خاصۀ الذین أحسنوا الصحبۀ، والذین أبلوا البلاء الحسن فی » : السجادیۀ
صفحۀ 95 من 154
نصره، وکانفوه وأسرعوا إلی وفادته، وسابقوا إلی دعوته، واستجابوا له حیث أسمعهم حجۀ رسالاته، وفارقوا الأزواج والأولاد فی
إظهار کلمته، وقاتلوا الآباء والأبناء فی تثبیت نبوته وانتصروا به، و من کانوا منطوین علی محبته، یرجون تجارة لن تبور فی مودته،
والذین هجرتهم العشائر إذ تعلّقوا بعروته، وانتفت منهم القرابات، إذ سکنوا فی ظل قرابته، فلا تنس لهم اللّهمّ ما ترکوا لک وفیک،
وأرضهم من رضوانک و بما حاشوا الخلق علیک، وکانوا مع رسولک دعاة لک إلیک، واشکرهم علی هجرهم فیک دیار قومهم،
وخروجهم من سعۀ المعاش إلی ضیقه، ومن کثرت فی إعزاز دینک من مظلومهم، اللّهمّ وأوصل إلی التابعین لهم بإحسان الذین
1) خاتمۀ المطاف ).«... یقولون ربّنا اغفر لنا ولإخواننا
إنّ لأبی المعالی الجوینی کلاماً حول الصحابۀ دعا فیه إلی أنّ الواجب، الکف والإمساك عن الصحابۀ وعمّا شجر بینهم، نقله الشارح
الحدیدي فی شرحه علی نهج البلاغۀ کما نقل نقد بعض الزیدیۀ له الذي سمعه من أستاذه النقیب أبی جعفر یحیی بن محمد العلوي
البصري فی سنۀ إحدي عشرة وستمائۀ ببغداد وعنده جماعۀ و ما نقله عن أُستاذه رسالۀ مبسوطۀ فی الموضوع فیها نکات بدیعۀ لا یسعنا
. إیرادها فی المقام، ولذلک نقتبس بعضها وقد نقل فیها قضایا تعرب عن جریان السیرة علی النقد والرد والمشاجرة، وإلیک بعضها: 1
هذه عائشۀ أُمّ المؤمنین خرجت بقمیص رسول اللّه صلَّی الله علیه وآله وسلَّم فقالت للناس: هذا قمیص رسول اللّه لم یبل، وعثمان
قد أبلی
( 223 ) . 1 . الصحیفۀ السجادیۀ: الدعاء الرابع مع شرحه، فی ظلال الصحیفۀ السجادیۀ ص 55 59
سنته، ثمّ تقول: اقتلوا نعثلًا قتل اللّه نعثلًا، ثمّ لم ترض بذلک حتی قالت: أشهد أنّ عثمان جیفۀ علی الصراط غداً. 2. هذا المغیرة بن
شعبۀ وهو من الصحابۀ، ادّعی علیه الزنا وشهد علیه قوم بذلک، فلم ینکر ذلک عمر، ولا قال: هذا محال وباطل بحجّۀ أنّ هذا صحابی
من صحابۀ رسول اللّه صلَّی الله علیه وآله وسلَّم لا یجوز علیه الزنا، کما أنّ عمر لم ینکر علی الشهود ولم یقل لهم: ویحکم هلا
تغافلتم عنه لما رأیتموه یفعل ذلک، فإنّ اللّه تعالی قد أوجب الإمساك عن مساوئ أصحاب رسول اللّه صلَّی الله علیه وآله وسلَّم
بل ما رأینا عمر إلاّ قد انتصب لسماع الدعوي وإقامۀ « دعوا لی أصحابی »: وأوجب الستر علیهم، وهلاّ ترکتموه لرسول اللّه فی قوله
الشهادة، وأقبل یقول للمغیرة: یا مغیرة ذهب ربعک، یا مغیرة ذهب نصفک، یا مغیرة ذهب ثلاثۀ أرباعک، حتی اضطرب الرابع فجلد
الثلاثۀ. و هلّا قال المغیرة لعمر: کیف تسمع فیَّ قول هؤلاء ولیسوا من الصحابۀ وأنا من الصحابۀ ورسول اللّه صلَّی الله علیه وآله وسلَّم
قد قال: أصحابی کالنجوم بأیّهم اقتدیتم اهتدیتم! ما رأیناه قال ذلک، بل استسلم لحکم اللّه تعالی. 3. وهاهنا، من هو أمثل من
المغیرة وأفضل، کقدامۀ بن مظعون، لمّا شرب الخمر فی أیّام عمر، فأقام علیه الحدّ، وهو رجل من علیۀ الصحابۀ، ومن أهل بدر
المشهود لهم بالجنۀ ;فلم یرد عمر الشهادة ولا درأ عنه الحدّ بحجّۀ أنّه بدري، ولا قال قد نهی رسول اللّه صلَّی الله علیه وآله وسلَّم
عن ذکر مساوئ الصحابۀ، وقد ضرب عمر أیضاً ابنه حداً فمات، و کان ممّن عاصر رسول اللّه صلَّی الله علیه وآله وسلَّم و لم تمنعه
معاصرته له من إقامۀ الحدّ علیه. 4. کیف یصحّ أن یقول رسول اللّه صلَّی الله علیه وآله وسلَّم : أصحابی کالنجوم بأیّهم اقتدیتم
اهتدیتم؟! لأنّ هذا یوجب أن یکون أهل الشام فی صفین علی هدي، وأن یکون أهل العراق أیضاً علی هدي، وأن یکون قاتل عمار
( بن یاسر مهتدیاً، وقد صحّ الخبر الصحیح أنّه صلَّی الله علیه وآله وسلَّم ( 224
وقال اللّه سبحانه:(فَقاتِلُوا الَّتی تَبْغِی حَتّی تَفِیء إِلی أَمْرِ اللّه)( 1) فدلّ علی أنّها ما دامت موصوفۀ بالمقام .« تقتلک الفئۀ الباغیۀ » : قال له
علی البغی فهی مفارقۀ لأمر اللّه، ومن یفارق أمر اللّه لا یکون مهتدیاً. وکان یجب أن یکون بسر بن أبی أرطأة الذي ذبح ولدي عبید
اللّه بن عباس الصغیرین، مهتدیاً، لأنّ بسراً من الصحابۀ أیضاً وکان یجب أن یکون عمرو بن العاص ومعاویۀ اللّذان کانا یلعنان علیاً
وولدیه أ دبار الصلاة، مهتدیین، وقد کان فی الصحابۀ من یزنی، ومن یشرب الخمر، کأبی محجن الثقفی، ومن ارتد عن الإسلام،
من موضوعات « أصحابی کالنجوم » کطلیحۀ بن خویلد، فیجب أن یکون کلّ من اقتدي بهؤلاء فی أفعالهم مهتدیاً. 5. إنّ هذا الحدیث
متعصبۀ الأمویۀ، فإنّ لهم من ینصرهم بلسانه وبوضعه الأحادیث إذا عجز عن نصرهم بالسیف، وکذا القول فی الحدیث الآخر وهو
صفحۀ 96 من 154
وممّا یدلّ علی بطلانه أنّ القرن الذي جاء بعده بخمسین سنۀ، هو شرّ قرون الدنیا، وهو أحد « خیر القرون القرن الذي أنا فیه » : قوله
القرون التی ذکرها فی النصّ وکان ذلک القرن هو القرن الذي قتل فیه الحسین، وأوقع بالمدینۀ، وحوصرت مکۀ، ونقضت الکعبۀ،
وشربت خلفاؤه والقائمون مقامه المنتصبون فی منصب النبوة، الخمور وارتکبوا الفجور، کما جري لیزید بن معاویۀ ولزید بن عاتکۀ
وللولید بن یزید، و أُریقت الدماء الحرام، وقتل المسلمون وسبی الحریم، واستعبد أبناء المهاجرین والأنصار ونقش علی أیدیهم کما
ینقش علی أیدي الروم، وذلک فی خلافۀ عبد الملک، وإمرة الحجاج، وإذا تأمّلت کتب التواریخ وجدت الخمسین الثانیۀ، شراً
کلّها،لا خیر فیها ولا فی رؤسائها وأُمرائها، والناس برؤسائهم وأُمرائهم. والقرن خمسون سنۀ فکیف یصحّ هذا الخبر؟ 6. فأمّا ما ورد فی
القرآن من قوله تعالی: (لَقَدْ رَضِیَ اللّهُ عَنِ الْمُؤْمِنین)( 2)، وقوله: (محمّدٌ رسولُ اللّهِ والّذِینَ مَعهُ...) ( 3) وقول
. 1 . الحجرات: 9
. 2 . الفتح: 18
( 225 ) . 3 . الفتح: 29
إن کان الخبر صحیحاً، فکلّه مشروط بسلامۀ العاقبۀ، ولا یجوز أن « إنّ اللّه اطّلع علی أهل بدر » : النبی صلَّی الله علیه وآله وسلَّم
یخبر الحکیم مکلفاً غیر معصوم، بأنّه لا عقاب فیه فلیفعل ما شاء. 7. من الذي یجترئ علی القول بأنّ أصحاب محمّد صلَّی الله علیه
وآله وسلَّم لا تجوز البراءة من أحد منهم وإن أساء وعصی بعد قول اللّه تعالی للذي شرفوا برؤیته: (لَئِنْ أَشْرَکْتَ لَیَحْبِطَنَّ عَمَلکَ
وَلَتَکُونَنَّ مِنَ الخاسِرین) .( 1) وبعد قوله: (قُلْ إِنّی أَخافُ إِنْ عَ َ ص یتُ رَبّی عَذاب یَوم عَظیم) .( 2) وبعد قوله:(فَاحْکُمْ بَیْنَ النّاس بِالحَقِّ
وَلا تَتَّبِعِ الهَوي فَیُضِ لّکَ عَنْ سَبیلِ اللّه إِنَّ الَّذینَ یَضِ لُّونَ عَنْ سَبیلِ اللّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدیدٌ بما نَسُوا یَومَ الحِساب).( 3) إلاّ من لا فهم له
ولا نظر معه ولا تمییز عنده. 8. والعجب من الحشویۀ وأصحاب الحدیث إذ یجادلون فی معاصی الأنبیاء ویثبتون أنّهم عصوا اللّه تعالی،
وینکرون علی من ینکر ذلک ویطعنون فیه، ویقولون: قدري، معتزلی،وربما قالوا: ملحد مخالف لنصّ الکتاب، وقد رأینا منهم الواحد
والمائۀ والألف یجادل فی هذا الباب، فتارة یقولون: إنّ یوسف قعد من امرأة العزیز مقعد الرجل من المرأة، وتارة یقولون: إنّ داود قتل
أوریا لینکح امرأته، وتارة یقولون: إنّ رسول اللّه صلَّی الله علیه وآله وسلَّم کان کافراً ضالاً قبل النبوة وربما ذکروا زینب بنت
جحش وقصۀ الفداء یوم بدر، فأمّا قدحهم فی آدم علیه السَّلام وإثباتهم معصیته ومناظرتهم من ینکر ذلک، فهو رأیهم ودیدنهم،
فإذا تکلّم واحد فی عمرو بن العاص ومعاویۀ، وأمثالهما ونسبهم إلی المعصیۀ وفعل القبیح احمرّت وجوههم، وطالت أعناقهم
وتخازرت أعینهم، وقالوا: مبتدع رافضی، یسب الصحابۀ ویشتم السلف، فإن قالوا: إنّما اتبعنا فی ذکر معاصی الأنبیاء نصوص الکتاب.
قیل لهم: فاتّبعوا فی البراءة من جمیع العصاة نصوص الکتاب، فإنّه تعالی قال: (لا تَجِد
. 1 . الزمر: 65
. 2 . الأنعام: 15
( 226 ) قَوْماً یُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْیَومِ الآخِرِ یُوادُّونَ مَن حادَّ اللّهَ وَرَسُولَه).( 1 ) . 3 . ص: 26
و قال:(فَإِنْ بَغَتْ إِحداهُما عَلَی الأُخري فَقاتِلُوا الَّتی تَبغِی حَتّی تفیَ إلی أَمْرِ اللّه). ( 2) وقال: (أَطیعُوا اللّهَ وَأَطیعُوا الرَّسُولَ وَأُولی الَأمْرِ
4) قتل الخلیفۀ ).( مِنْکُمْ) ( 3
قد تصافق أهل السیر والتاریخ أنّ عثمان بن عفان قد حوصر ثمّ هوجم وقتل فی عاصمۀ الإسلام، قد قتله الصحابۀوالتابعون لهم
بإحسان، حتّی منعوا عن تجهیزه وتغسیله ودفنه والصلاة علیه، وهذا إمام المؤرّخین یتلو علینا کیفیۀ الإجهاز علیه والهجوم علی داره بعد
محاصرته قرابۀ أربعین یوماً: یقول الطبري: دخل محمّد بن أبی بکر علی عثمان فأخذ بلحیته... ثمّ دخل الناس، فمنهم من یجأه بنعل
سیفه، وآخر یلکزه، وجاءه رجل بمشاقص معه فوجأه فی ترقوته، ودخل آخرون فلمّا رأوه مغشیاً علیه جرّوا برجله، وجاء التجیبی
مخترطاً سیفه لیضعه فی بطنه فوقته نائلۀ فقطع یدها، واتکأ بالسیف علیه فی صدره، وقتل عثمان رضی اللّه عنه قبل غروب الشمس.
صفحۀ 97 من 154
وفی نصّ آخر یقول: طعن محمد بن أبی بکر جنبیه بمشقص فی یده، وضرب کنانۀ بن بشر مقدم رأسه بعمود، وضربه سودان بن
حمران المرادي بعد ما خرّ لجبینه، و وثب عمرو بن الحمق فجلس علی صدره وبه رمق فطعنه تسع طعنات إلی آخر ما ذکره.( 5) وقد
وقعت الواقعۀ بمرأي ومسمع من معظم الصحابۀ ولیس لأحد أن یتفوّه أنّهم لم یکونوا عالمین بها، فإنّها ما کانت مباغتۀ ولا غیلۀ حتی
یکونوا فی غفلۀ
. 1 . المجادلۀ: 22
. 2 . الحجرات: 9
. 3 . النساء: 59
20 33 ، والرسالۀ مبسوطۀ مفصّلۀ أخذنا المهم منها. / 4 . الشرح الحدیدي: 12
( 227 ) .3/ 5 . تاریخ الطبري: 423
عنها، وقد استمر الحوار أکثر من شهرین والحصر حوالی أربعین یوماً، کلّ ذلک یعرب عن أنّهم کانوا راضین بهاتیک الأحدوثۀ، لو
لم نقل إنّهم کانوا بین مباشر لها، إلی خاذل للمودي به، إلی مؤلّب علیه، إلی راض بما فعلوا، إلی محبذ لتلک الأحوال کما هو واضح
لمن قرأ تاریخ الدار وقتل الخلیفۀ، متجرداً عن أهواء ومیول أمویۀ. فعندئذ یدور الأمر بین أمرین، بأیّهما أخذنا یبطل الأصل المزعوم
من عدالۀ الصحابۀ أجمع. فإن کان الخلیفۀ قائماً علی جادة الحقّ غیر مائل عن الطریقۀ المثلی، فالمجهزون علی قتله والناصرون لهم
فسّاق إن لم نقل إنّهم مراق عن الدین لخروجهم علی الإمام المفترضۀ طاعته. وإن کان مائلًا عن الحقّ، منحرفاً عن الطریقۀ، مستحقاً
للقتل فما معنی القول بعدالۀ الصحابۀ کلّهم من إمامهم إلی مأمومهم. وأمّا تبریر عمل المجهزین علیه، المهاجمین علی داره بأنّهم کانوا
عدولًا خاطئین فی اجتهادهم، فهو خداع وضلال لا یصار إلیه، ولا یرکن إلیه أي ذي مسکۀ من العقل إذ أي قیمۀ لاجتهادهم تجاه
نصوص الکتاب؟ قال عزّ من قائل:(مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَیْرِ نَفْس أَوْ فَساد فِی الَأرْضِ فَکَأَنَّما قَتَلَ النّاسَ جَمیعاً).( 1) کلمۀ قیمۀ للإمام أمیر
المؤمنین علیه السَّلام
وهناك کلمۀ قیمۀ للإمام أمیر المؤمنین علیه السَّلام تمثل نظریته فی حقّ الصحابۀ رواها نصر بن مزاحم المنقري(المتوفّی عام
212 ه) فی حدیث عمر بن سعد: دخل عبد اللّه بن عمر، وسعد بن أبی وقاص، والمغیرة بن شعبۀ مع
( 228 ) . 1 . المائدة: 32
أُناس معهم وکانوا قد تخلّفوا عن علی. فدخلوا علیه فسألوه أن یعطیهم عطاءهم و قد کانوا تخلّفوا عن علی حین خرج إلی صفین
قالوا: قتل عثمان ولا ندري أحل دمه أم لا؟ وقد کان أحدث أحداثاً ثمّ استتبتموه فتاب، «؟ ما خلّفکم عنّی » : والجمل فقال لهم علی
فقال علی: .« ثمّ دخلتم فی قتله حین قتل، فلسنا ندري أصبتم أم أخطأتم؟ مع أناّ عارفون بفضلک یا أمیرالمؤمنین وسابقتک وهجرتک
فقال: (وَإِنْ طائِفتان مِنَ الْمُؤْمِنِینَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا « ألستم تعلمون أنّ اللّه عزّ وجلّ قد أمرکم أن تأمروا بالمعروف وتنهوا عن المنکر »
بَیْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلی الأُخْري فَقاتِلُوا الّتی تَبْغِی حَتّی تَفِیءَ إِلی أَمْرِ اللّه)( 1)؟ قال سعد: یا علی أعطنی سیفاً یعرف الکافر من
ألستم تعلمون أنّ عثمان کان إماماً بایعتموه علی السمع والطاعۀ فعلام »: المؤمن، أخاف أن أقتل مؤمناً فأدخل النار؟ فقال لهم علی
خذلتموه إن کان محسناً، وکیف لم تقاتلوه إذ کان مسیئاً. فإن کان عثمان أصاب بما صنع فقد ظلمتم، إذ لم تنصروا إمامکم ;وإن
کان مسیئاً فقد ظلمتم، إذ لم تعینوا من أمر بالمعروف ونهی عن المنکر، وقد ظلمتم إذ لم تقوموا بیننا وبین عدونا بما أمرکم اللّه به،
فردّهم ولم یعطهم شیئاً. وکان علی علیه السَّلام إذا صلّیالغداة والمغرب وفرغ « ( فإنّه قال: (فَقاتِلُوا الّتی تَبْغی حَتّی تَفِیء إِلی أَمْرِ اللّه
اللّهمّ العن معاویۀ وعمراً وأبا موسی وحبیب بن مسلمۀ والضحاك بن قیس والولید بن عقبۀ وعبد الرحمن بن خالد » : من الصلاة یقول
فبلغ ذلک معاویۀ، فکان إذا قنت لعن علیاً وابن عباس وقیس بن سعد والحسن والحسین.( 2) وفی کلامه هذا دلیل قاطع ،« بن الولید
علی أنّ هؤلاء الجائین إلی علی لأخذ عطائهم، خونۀ ظلمۀ لا یمکن الحکم بعدالتهم، لأنّهم إمّا ظلموا إمامهم العادل، إذ لم ینصروه
صفحۀ 98 من 154
وإمّا ترکوا الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر، ولم یعینوا الإمام القائم بالعدل.
. 1 . الحجرات: 9
( 229 ) . 2 . وقعۀ صفین: 551 552
أضف إلی ذلک أنّ الملاعنۀ من الطرفین أقوي شاهد علی فساد إحدي الطائفتین ولیس الحقّ خافیاً علی مبتغیه، کما أنّ الصبح لا
یخفی علی ذي عینین. وهناك کلام للشیخ التفتازانی فی شرح مقاصده أخذته العصبیۀ فی الدعوة إلی ترك الکلام فی حقّ البغاة
والجائرین، ومع ذلک کلّه فقد أصحر بالحقیقۀ فقال: ما وقع بین الصحابۀ من المحاربات والمشاجرات علی الوجه المسطور فی کتب
التواریخ والمذکور علی ألسنۀ الثقات یدلّ بظاهره علی أنّ بعضهم قد حاد عن طریق الحقّ، وبلغ حدّ الظلم والفسق، وکان الباعث له
الحقد والعناد والحسد واللداد وطلب الملک والرئاسۀ والمیل إلی اللذات والشهوات، إذ لیس کلّ صحابی معصوماً، ولا کلّ من لقی
النبی صلَّی الله علیه وآله وسلَّم بالخیر موسوماً، إلاّ أنّ العلماء لحسن ظنّهم بأصحاب رسول اللّه صلَّی الله علیه وآله وسلَّم ، ذکروا
لها محامل وتأویلات بها تلیق، وذهبوا إلی أنّهم محفوظون عمّا یوجب التضلیل و التفسیق صوناً لعقائد المسلمین عن الزیغ والضلالۀ
فی حقّ کبار الصحابۀ سیما المهاجرین منهم، والأنصار، والمبشّرین بالثواب فی دار القرار. وأمّا ما جري بعدهم من الظلم علی أهل
بیت النبی صلَّی الله علیه وآله وسلَّم فمن الظهور بحیث لا مجال للإخفاء، ومن الشناعۀ بحیث لا اشتباه علی الآراء، إذ تکاد تشهد به
الجماد والعجماء، ویبکی له من فی الأرض والسماء، وتنهد منه الجبال وتنشق الصخور، ویبقی سوء عمله علی کرّ الشهور، ومر الدهور
فلعنۀ اللّه علی من باشر أو رضی أو سعی ولعذاب الآخرة أشدّوأبقی. فإن قیل: فمن علماء المذاهب من لم یجوز اللعن علی یزید مع
علمهم بأنّه یستحقّ ما یربو علی ذلک ویزید؟ قلنا: تحامیاً عن أن یرتقی إلی الأعلی فالأعلی کما هو شعار الروافض علی ما یروي فی
أدعیتهم ویجري فی أندیتهم، فرأي المعتنون بأمر الدین، إلجام العوام بالکلیۀ طریقاً إلی الاقتصاد فی الاعتقاد، بحیث لا تزل الأقدام
علی السواء ولا تضل الأفهام بالأهواء وإلاّفمن یخفی علیه الجواز والاستحقاق وکیف لا یقع علیهما الاتفاق، وهذا هو السرّ فیما نقل
( عن السلف من المبالغۀ فی مجانبۀ أهل الضلال وسدّطریق لا یؤمن ( 230
أن یجر إلی الغوایۀ فی الم آل مع علمهم بحقیقۀ الحال، وجلیۀ المقال، وقد انکشف لنا ذلک حین اضطربت الأحوال واشرأبت
الأهوال، وحیث لا متسع ولا مجال والمشتکی إلی عالم الغیب والشهادة الکبیر المتعال.( 1) إنّ بعض المنصفین من المصریین
المعاصرین قد اعترف بالحقّوأراد الجمع بین رأیی السنۀوالشیعۀ فی حقّ الصحابۀ فقال: إنّ منهج أهل السنۀ فی تعدیل الصحابۀ أو
ترك الکلام فی حقّهم، منهج أخلاقی ;وإنّ طریقۀ الشیعۀ فی نقد الصحابۀ وتقسیمهم إلی عادل وجائر منهج علمی، فکلّ من
أي بین الأخلاق « عدالۀ الصحابۀ بین العاطفۀ والبرهان » : المنهجین مکمّل للآخر. وهذا هو ما أعربنا عنه فی صدر البحث وقلنا
یري أهل السنۀ: أنّ الصحابۀ کلّهم عدول، وأنّهم جمیعاً مشترکون فی العدالۀ وإن اختلفوا فی » : والموضوعیۀ، وإلیک نصّ کلامه
درجتها. وأنّ من کفّر صحابیاً فهو کافر، و من فسّ قه فهو فاسق. وإن طعن فی صحابی فکأنّما طعن علی رسول اللّه. وأنّ من طعن علی
حضرة الرسول علیه السَّلام فهو زندیق بل کافر. ویري جهابذة أهل السنّۀ أیضاً أنّه لا یجوز الخوض فیما جري بین علی رضی اللّه
و من نحا نحوه. وأنّ منهم من اجتهد وأخطأ مثل « علی » عنه و معاویۀ من أحداث التاریخ. وأنّ من الصحابۀ من اجتهد وأصاب وهو
معاویۀ وعائشۀ رضی اللّه عنها و من نحا نحوهما. وأنّه ینبغی فی نظر أهل السنّۀ الوقوف والإمساك عند هذا الحکم دون التعرض
لذکر المثالب. ونهوا عن سب معاویۀ باعتباره صحابیاً، و شدّدوا النکیر علی من سب عائشۀ باعتبارها أُمّ المؤمنین الثانیۀ بعد خدیجۀ
وباعتبارها حبّ رسول اللّه.
( 231 ) . 2 307 / 1 . شرح المقاصد: 306
وما زاد علی ذلک فینبغی ترك الخوض فیه وإرجاء أمره إلی اللّه سبحانه. وفی ذلک یقول أبو الحسن البصري وسعید بن المسیب:
تلک أُمور طهّر اللّه منها أیدینا وسیوفنا، فلنطهّر منها ألسنتنا. هذه آراء أهل السنّۀ فی عدالۀ الصحابۀ وفیما ینبغی أن نقف منهم. أمّا
صفحۀ 99 من 154
الشیعۀ فیرون أنّ الصحابۀ کغیرهم تماماً لا فرق بینهم و بین من جاء بعدهم من المسلمین إلی یوم القیامۀ. وذلک من حیث خضوعهم
لمیزان واحد هو میزان العدالۀ، الذي توزن به أفعال الصحابۀ کما توزن أفعال من جاء من بعدهم من الأجیال. وإنّ الصحبۀ لا تعطی
لصاحبها منقبۀ إلاّ إذا کان أهلًا لهذه المنقبۀ وکان لدیه الاستعداد للقیام برسالۀ صاحب الشریعۀ صلَّی الله علیه وآله وسلَّم . وإنّ
منهم المعصومین کالأئمّۀ الذین نعموا بصحبۀ الرسول علیه السَّلام کعلی وابنیه علیهم السَّلام . ومنهم العدول وهم: الذین أحسنوا
الصحبۀ لعلی بعد انتقال الرسول إلی الرفیق الأعلی. ومنهم المجتهد المصیب، ومنهم المجتهد المخطئ. ومنهم الفاسق، ومنهم الزندیق
و هو أقبح من الفاسق وأشدّ نکالًا . ویدخل فی دائرة الزندیق المنافقون والذین یعبدون اللّه علی حرف. کما أنّ منهم الکفّار وهم
الذین لم یتوبوا من نفاقهم والذین ارتدّوا بعد الإسلام. ومعنی هذا أنّ الشیعۀ و هم شطر عظیم من أهل القبلۀ یضعون جمیع
المسلمین فی میزان واحد ولا یفرّقون بین صحابی وتابعی ومتأخر. کما لا یفرقون بین مغرق فی الإسلام وحدیث عهد به إلاّ باعتبار
( درجۀ ( 232
الأخذ بما جاء به حضرة الرسول صلوات اللّه علیه والأئمّۀ الاثنا عشر من بعده. وإنّ الصحبۀ فی ذاتها لیست حصانۀ یتحصّن بها من
درجۀ الاعتقاد. وعلی هذا الأساس المتین أباحوا لأنفسهم اجتهاداً نقد الصحابۀ والبحث فی درجۀ عدالتهم. کما أباحوا لأنفسهم
الطعن فی نفر من الصحابۀ أخلّوا بشروط الصحبۀ وحادوا عن محبّۀ آل محمّد علیهم السَّلام . کیف لا، و قد قال الرسول الأعظم:
إنّی تارك فیکم ما إن تمسکتم بهما لن تضلّوا: کتاب اللّه وعترتی آل بیتی، وإنّهما لن یفترقا حتی یردا علی الحوض فانظروا کیف »
وعلی أساس من هذا الحدیث و نحوه یرون أنّ کثیراً من الصحابۀ خالفوا هذا الحدیث باضطهادهم لآل محمد، .« تخلّفونی فیهما
ولعنهم لبعض أفراد هذه العترة. ومن ثمّ، فکیف یستقیم لهؤلاء المخالفین شرف الصحبۀ، وکیف یوسمون بسمۀ العدالۀ؟! ذلک هو
خلاصۀ رأي الشیعۀ فی نفی صفۀ العدالۀ عن بعض الصحابۀ وتلک هی الأسباب العلمیۀ الواقعیۀ التی بنوا علیها حججهم. والمتأمّل یري
أنّ الفرق بین هذین الموقفین کالفرق بین المنهج الأخلاقی والمنهج العلمی، وأنّ کلا المنهجین مکمل لصاحبه.( 1) هذا غیض من
فیض، وقلیل من کثیر من تاریخ الصحابۀ وأحوالهم وهی مشحونۀ بالصواب والخطأ والهدي والضلال. ضعه أمام عقلک وفکرك
فاقض ما أنت قاض ولا تتبع الهوي. (وَإِنْ حَکَمْتَ فاحْکُمْ بَیْنَهُمْ بِالقِسْطِ إِنَّ
233 ) اللّهَ یُحِبُّ الْمُقْسِطین).( 1) (وَلِکُ لّ درجاتٌ مِمّا عَمِلُوا وَما ) . 1 . الأُستاذ حفنی داود المصري: نظرات فی الکتب الخالدة: 111
( رَبّکَ بِغافِل عَمّا یَعْمَلُون) .( 2
*** (وَهُوَ الَّذي جَعَلَکُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْ َ ض کُمْ فَوقَ بعْض دَرَجات لِیَبْلُوَکُمْ فی ما آتاکُمْ إِنَّ رَبّکَ سَریعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ
رَحِیم)( 3).
. 1 . المائدة: 42
. 2 . الأنعام: 132
. 3 . الأنعام: 165
الإیمان بالقدر